باتت الحكومات
الإسرائيلية مشتتة لا تدري أين تقيم
المستوطنات، فما بين سعي لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية تجد أن هناك تمددا فلسطينيا في القدس المحتلة رغم التهويد المستمر، وتنظر شمالا إلى الجليل فتجد انتشارا آخر هناك، وفي الجنوب تجد أن
النقب فيه أكثر من 200 ألف
فلسطيني.
فالمؤسسة الإسرائيلية تعتبر عملية التهويد استكمالا "لحرب الاستقلال" عام 1948، والتي هجر خلالها 80 بالمائة من الفلسطينيين من بيوتهم إلى مناطق خارج حدود "الدولة الجديدة"، والاحتلال في مسعاه إلى تهويد النقب، صادقت الحكومة الإسرائيلية منذ بداية العقد الماضي على إقامة أكثر من 20 مستوطنة جديدة في النقب، كما صادقت على إقامة 3 مستوطنات شمال النقب أو ما أسمته منطقة "لخيش"، وأقيم جزء من هذه المستوطنات، بينها "غفعات بار" شمال بئر السبع، و"مرحاف عام" في مركز النقب.
كما صادقت الحكومة على إقامة ثلاث مستوطنات أخرى غرب بئر السبع أو ما أسمته "حيفيل نيتسانا"، كما منحت تراخيص لإقامة عشرات المزارع شمال النقب، والتي تعتبر كل واحدة منها بؤرة استيطانية.
فلم تكن أحداث الأسبوع الأخير الذي شهدته منطقة النقب الفلسطيني المحتل عام 1948 والتي سقط فيها شهيدين وجرحى، وليدة اللحظة، بل كانت شرارة لحالة الاحتقان في تلك المنطقة التي تتعرض للتهويد منذ إنشاء دولة الاحتلال قبل أكثر من 66 عاما.
وقال أسامة العقبي مدير مؤسسة النقب التي تعنى بحقوق وقضايا بدو النقب، إن مخطط التهويد لبدو النقب لم يتوقف من قبل المؤسسة الإسرائيلية منذ احتلال النقب وتهجير سكانه وهذا يتم من خلال هدم المنازل المستمر وحرث الأرض وتخريب المزروعات وملاحقة المواشي والرعاة من اجل إجبارهم على الهجرة وترك أراضيهم.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الاحتلال عندما لاحظ وجود 260 ألف عربي في النقب استشعر خطورة وجودهم فلجأ إلى رفع وتيرة الهجمة على النقب والتي كانت في أوجها الأسبوع الفائت. منوها إلى أنه رغم تلك السياسة فإن الأهالي منزرعون في أرضهم ويقولوا أنهم بانتظار من هجر من أرضه عام 48.
وقال العقبي، إن نحو 800 ألف دونم فقط ما تزال بيد أصحاب الأرض أمام كم كبير من الأراضي تمت مصادرته والسيطرة عليه، ورغم ذلك فهي ملاحقة، وهناك خطط لبسط السيطرة عليها.
كما أشار إلى وجود 45 قرية غير معترف بها يعيش أصحابها بدون خدمات مقابل 6 تجمعات عربية فقط معترف فيها.
بدو النقب يقلقون الاحتلال
ويرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور إبراهيم أبو جابر، أن فلسطيني النقب تعرضوا لمخططات جهنمية من اجل إنهاء وجودهم فتم مصادرة ملايين الدونمات من أراضيهم، وأبيدت باستمرار محاصيلهم الزراعيّة على مدار سنين، وحرموا من البناء والاستقرار في بلادهم, وهدمت العديد من قراهم العربيّة في النقب بحجّة عدم الاعتراف بها، واعتقل الكثير من قيادات ورموز أبناء النقب الفلسطيني .
وأضاف أبو جابر في حديثه لـ"عربي21"، أن بدو النقب الفلسطينيين أصبحوا عامل قلق للساسة الإسرائيليين، وعامل إزعاج دائم لهم؛ "فعدد فلسطينيي النقب اليوم يصل إلى حوالي 200 ألف نسمة، بعدما كانوا بعد نكبة عام 48 حوالي 10 آلاف فقط، لا بل إن وجود قرى ومدن فلسطينيّة ثابتة في الجنوب كمدينة رهط، واكسيفة، وعرعرة، وتل السبع، واللقيّة وغيرها، أصبحت تشكّل أيضا شوكة في عيون الإسرائيليين، وعامل إزعاج كذلك لهؤلاء، بخاصة بعد الصحوة الإسلامية الوطنية المباركة التي عمّت الجنوب الفلسطيني في العقود القليلة الماضية، ناهيك عمّا شهده النقب الصامد أيضا من ثورة علميّة وثقافيّة مشهودة، جعلت لديهم اكتفاء ذاتيا في غالبية التخصّصات العلميّة والأكاديمية".
الخزان الاستراتيجي للاحتلال
ويشير الباحث صالح لطفي مدير مركز الدراسات المعاصرة في أم الفحم، أن النقب اليوم هو الأكثر استهدافا من بين المناطق في الداخل الفلسطيني. فـ"المؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية لا تستحي من القول والتصريح أن هذه الأراضي هي الخزان الاستراتيجي لمستقبل الدولة اليهودية، ولذلك الصراع بين مواطني النقب والمؤسسة الإسرائيلية صراع مفتوح بالكامل ليس فيه تعمية ولا تورية، والمؤسسة الإسرائيلية تستعمل كافة أدواتها لفرض سيطرتها على هذا الخزان وسحبه بالكامل من أصحاب الأرض".
ونوه في حديثه لـ"عربي21"، أن "قتل الشابين من بدو النقب الأسبوع الأخير تم بدم بارد يكشف حقيقة الواقع لبدو النقب وهو في الحقيقة يتطلب التأسيس لإستراتيجية نضال تقف حائلا دون أي تفكير يُخضع الأرض والإنسان في النقب وغير النقب للسيطرة عليه من قبل الإسرائيليين دولة وجندا، وهذه الإستراتيجية يجب أن تشارك فيها كافة القوى الوطنية في الداخل الفلسطيني".
يشار إلى أن مساحة النقب تناهز 14 ألف كلم مربع، وهي 51 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، لكن حكومات الاحتلال المتعاقبة ظلت تنتهج سياسة عرفت باسم "تطوير النقب"، التي هي في الجوهر تهويد النقب، هدفها حصر السكان على مساحة لا تتجاوز 2 بالمئة من مساحة النقب، والحد من انتشارهم على كامل جغرافيا الصحراء.
سلطات الهدم الإسرائيلية
بدوره قال النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي طلب أبو عرار، إن "سلطات الهدم الإسرائيلية"، جن جنونها بهدمها اليومي للمنازل العربية في القرى مسلوبة الاعتراف في النقب المحتل.
واعتبر في بيان له وصل "عربي21" نسخة عنه، إن هذا "الجنون إشارة واضحة إلى استباق الانتخابات البرلمانية لتخوف الوزير شامير وزمرته، ومسؤولي دوائر الهدم في الجنوب من تغير الحكومة وتوجهاتها بعد الانتخابات البرلمانية، ومن اجل الحصول على الصوت اليهودي، والإسراع في تهويد النقب".
وطالب أبو عرار الشرطة بفحص كل المناقصات في سلطة ما يسمى "تدمير البدو"، ومناقصات الشركات التي تقوم على الهدم، أو شركات التخطيط التي فازت في مجالات عرب النقب في الوزارات، لفحص إذا ما دخلت في قضايا الغش والاحتيال التابعة لحزب ليبرمان.