يبدو أن الاحتلال لا يسعى فقط إلى تهريب بضائع مستوطناته إلى الأسواق
الفلسطينية، بل إنه يعمل كذلك على تهريب نفاياته السامة والصلبة إلى أراضي
الضفة الغربية ودفنها فيها، لكي تسبب أضرارا جسيمة بالبيئة والإنسان مع انتشار الأمراض منها الجلدية والسرطانية، بحسب تقارير وبيانات ذات علاقة اطلعت عليها صحيفة "عربي21".
وكانت سلطة جودة البيئة الفلسطينية، شددت في تصريح صحفي لها وصل "عربي21" نسخة عنه، على أن كل من يعمل على استيراد
النفايات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية فستنفذ بحقه عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وذلك وفق أحكام المادة 63 المعطوفة على المادة 13 الفقرة أ من قانون البيئة الفلسطيني.
وأتى هذا التصريح، بعد ضبط مفتشي الضبط العدلي وجهاز الضابطة الجمركية شاحنة نفايات
إسرائيلية مهربة إلى طولكرم محملة بمادة الحرير الصخري "الإسبستوس"، والتي تعد من النفايات الخطرة وفق أحكام الاتفاقيات الدولية.
وقال مدير سلطة جودة البيئة في محافظة رام الله ثابت يوسف لـ"عربي21"، إنهم يواجهون مشكلة حقيقية في قضية تهريب النفايات الإسرائيلية إلى مكبات فلسطينية، خاصة لما تشكله طبيعة هذه النفايات، التي تصنف بأنها خطرة.
وذكر يوسف أن قرى غرب رام الله تواجه مخالفات عديدة على هذا الصعيد، وتحاول سلطة البيئة ضبط الأمر ومراقبة المهربين، إلا أن المهربين يقومون بتفريغ حمولاتهم الملوثة بأوقات يصعب ضبطها ومراقبتها.
وكانت سلطة جودة البيئة قد ضبطت كميات كبيرة وعلى مساحات واسعة وعشوائية، مؤكدا أن سلطة البيئة تقوم بملاحقة المسؤولين واتخاذ الإجراءات القانونية، بحسب قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999، الذي يحظر استيراد النفايات الخطرة وتقييد مرورها عبر الأراضي الفلسطينية.
وأضاف: "ما يقوم به الجانب الإسرائيلي مخالف للقوانين المحلية والدولية".
أما عن دور سلطة البيئة، فيذكر ثابت أنهم يقومون بجولات تفتيشية وضبط للمواقع، بالإضافة إلى الدور التوعوي للمواطنين واستقبال أي شكوى بهذا الخصوص.
ويكمل مدير سلطة جودة البيئة في رام الله حديثه: "للأسف هناك أشخاص أصحاب نفوس مريضة هم المستفيدون، دمروا بيئتهم، وهم يذلك يقضون على مستقبلنا، خاصة أن النفايات تعد خطرة، وهي نفايات مختلطة منها الإنشائية والكيميائية".
بدوره، قال الدكتور بنان الشيخ خبير النباتات البرية، إن النفايات السامة التي ينقلها المستوطنون إلى أراضي الضفة الغربية سواء كانت نفايات صلبة أم سامة، تؤدي إلى قتل عشرات النباتات، حيث تؤدي النفايات السامة إلى التدمير بشكل سريع فيما تساهم النفايات الصلبة إلى التخريب بعد تعرضها للأمطار والمياه الجارية مع الزمن.
وأضاف أن الاحتلال يحاول من وراء نقل نفاياته الصلبة إلى قتل الكثير من النباتات النادرة، خاصة في مناطق سلفيت، وسط الضفة الغربية، التي تزدهر بأنواع نادرة، جراء مزج المياه العادمة في الوديان بمخلفات المستوطنات.
تدمير ممنهج مع بداية الاحتلال
وبدأ الاحتلال بتلويثه للبيئة الفلسطينية منذ احتلاله للضفة الغربية، وكان من أشهر مكبات النفايات مكب في محافظة قلقيلية المعروفة بطبيعتها الجميلة. ففي بداية ثمانينيات القرن الماضي أقيم مكب للنفايات في المنطقة الواقعة بين قريتي عزون وجيوس، بعد أن صادرت قوات الاحتلال قطعة أرض تبلغ مساحتها حوالي 10 دونمات، وأصبحت مكبا للنفايات القادمة من داخل الخط الأخضر، ومخلفات المستوطنات والمصانع الإسرائيلية، لتتكدس فيه مئات الأطنان من النفايات.
وكانت تتم عملية إلقاء النفايات تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، في جنح الليل. وفي عام 1998، تمّ الكشف بالصوت والصورة والتوثيق عن نفايات سائلة من مخلفات كيميائية توضع في غالونات بلاستيكية، وتدفن في المكب.
وفي عام 2000، صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي كل الوثائق المتعلقة بهذا المكب، حيث يقع على بعد 300 متر من حوض بئر مياه يزود ثلاثة تجمعات سكنية، هي قرى عزون وجيوس وصير. وأغلق هذا المكب عام 2003، نتيجة تأثيراته وأضراره، كانسياب السموم إلى باطن الأرض، وعمليات الحرق التي ينتج عنها روائح كريهة، وأمراض، وكمية تلوث هائلة تحيط بالتجمعات السكنية.
وبالرغم من أن الاحتلال توقف عن استخدام هذا المكب، إلا أن ذلك لم ينه المشكلة. فوجود المكب بحد ذاته يعتبر كارثة حقيقية تطال كافة جوانب الحياة في المنطقة، وأبرزها تلوث المياه الجوفية والتربة، في منطقة كانت تسر الناظرين وتعتبر متنزها للمواطنين.
وقال غسان خريشة رئيس بلدة جيوس شرقي قلقيلية لـ"عربي21"، إن فعاليات فلسطينية كشفت مبكرا مخاطر المكبات الإسرائيلية التي تمت إقامتها في أراضي البلدة والقرى المجاورة وتسببت بأضرار فادحة.
وأضاف أن جهودا سياسة وشعبية وحقوقية، بذلت من أجل إغلاق هذا المكب، ساندتها جهود أعضاء الكنيست العرب إلى جانب جهود سياسية ودبلوماسية دولية، خاصة أن أضرار هذا المكب طالت منطقة معروفة بانتشار أشجار الزيتون بكثافة، إضافة إلى قربه من مجمع المياه الجوفية لأراضي عزون وجيوس وصير.
وتابع خريشة، بأن الاحتلال اعتبر المكب خاصا لنفايات المستوطنين والتجمعات الإسرائيلية القريبة، وكانت الفضيحة الأكبر عندما تم اكتشاف دفن براميل المواد السامة في هذا المكب، ما كشف الخطط المبيتة لإيقاع الضرر بالمواطنين الفلسطينيين من خلال تسرب السموم للمياه الجوفية.
وبحسب دراسة لمركز أبحاث الأراضي، فإن اعتداءات الاحتلال على البيئة سارت بمحاور عدة، أبرزها: مياه المستوطنات العادمة التي تلوث المياه الجوفية تشكل مكرهة صحية لقربها من أماكن السكن، إضافة إلى حرق الأشجار، ومصادرة الأراضي وتجريفها، والتلوث النووي ومفاعل ديمونة الإسرائيلي، ودفن النفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية.
2014 وتصاعد الانتهاكات
وفي تقريرها السنوي لعام 2014، قالت سلطة جودة البيئة، إن عام 2014 شهد استهدافا للبيئة الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، من خلال العدوان على قطاع غزة واستمرار الانتهاك بالسيطرة على المصادر الطبيعية.
واستصدرت جودة البيئة من خلال عملها الدولي وبالمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية التي كان منها اجتماع وزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة في المملكة العربية السعودية، قرارات خاصة بالمنطقة الصناعية الإسرائيلية "جيشوري" المقامة غربي طولكرم، واستصدار قرارات خاصة لتنفيذ الالتزامات المترتبة على برنامج الأمم المتحدة للبيئة تجاه حالة البيئة في المنطقة.
وحصلت البيئة على موافقة الحكومة البلجكية لإعداد دراسة حول الآثار البيئية لمصانع "جيشوري"، والعمل على توثيق الانتهاكات الإسرائيلية في إنشاء مكب نفايات في كسارات "أبو شوشة" غرب نابلس، والانتهاكات الخاصة بتهريب المواد والنفايات الخطرة للأراضي الفلسطينية.