كتبت دينا أصفندياري: تسبب التوسع الذي قامت به الدولة الإسلامية في
العراق والشام (
داعش) في مختلف أنحاء العراق في إثارة الذعر في
إيران المجاورة. ورغم أن وسائل الإعلام الإيرانية سعت إلى طمأنة الجمهور، مؤكدين أن الجيش العراقي يتصدى للمجموعة المسلحة. لكن الواقع، أن الحكومة الإيرانية وقواتها شبه العسكرية أو ما يُعرف بالحرس الثوري، رأوا داعش بمثابة تهديد خطير ومتزايد، مباشرة في الباحة الخلفية لإيران.
إذا سرّعنا المشهد للأمام عدة أشهر، سنجد مسلحي
تنظيم الدولة يسيطر على مساحات هائلة من الأراضي في العراق. لكن إيران في وضع مختلف هذه المرة. لا يحاول الإعلام التهوين من خطر وجود التنظيم على عتبات الدولة. بدلا من ذلك حولت طهران تحدي التنظيم إلى فرصة انتهزتها، من خلال تلبية احتياجات بغداد لمساعدات على الأرض في مكافحة داعش، بينما تدعم نفوذها في جارتها الغربية وسيطرتها على مقاليد الأمور هناك.
يبدو أن لا أحد قام بذلك بفعالية وكفاءة كما فعله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري: الجنرال قاسم سليماني. قام سليماني بحملة واسعة من إدارة العلاقات العامة. انتشرت صور الجنرال واقفا أمام جمع من المقاتلين العراقيين وأفراد من المجتمعات الكردية والسُنية والشيعية، وهي التي لو جُمعت لكان منها ما يملأ صفحة مدونة تمبلر طويلة.
تهدف هذه الحملة إلى طمأنة الإيرانيين بأن كل شيء تحت سيطرة حكومتهم، وأن عدم الاستقرار في العراق لا يهدد أمن طهران.
عدم استقرار العراق هو مصدر قلق كبير للإيرانيين، الذين يتذكر كثير منهم الحرب العراقية الإيرانية المدمرة في الثمانينيات. بالنسبة للكثيرين، أكدت الحرب أن إيران لا يمكنها الاعتماد على أي طرف سوى نفسها لضمان أمن حدودها.
تهدف الحملة أيضا إلى ردع داعش، من خلال إظهار تواجد القادة الإيرانيين وقوات النخبة في العراق. إنهم مستعدون لاستخدام كل الوسائل لمواجهة التهديد، فهو عرض ضروري للعضلات بالنظر إلى محدودية التدخل الغربي. لا يمكن أن تنهزم داعش بالضربات الجوية فقط، وهذا هو كل ما يبدو الغرب مستعدا للقيام به. الائتلاف الدولي يحتاج إلى الدعم الإقليمي، والأهم من ذلك أنه يجب أن يكون على استعداد لإرسال أعداد كبيرة من القوات البرية لخوض حرب طويلة. فقط إيران هي من لديها القدرة والرغبة للقيام بذلك.
تخدم حملة سليماني أيضا هدفا آخر: إعلام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أن إيران تسيطر على كل شيء. فلديها الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. والأهم من ذلك، فإن لدى طهران الجنود على الأرض. قوات الحرس الثوري تعرف العراق والعراقيين أفضل من الغرب وعلى جميع الأصعدة.
تثبت حملة سليماني أن إيران لا تحتاج إلى التحالف الدولي لتأمين جوارها. الغرب، على الجانب الآخر، يحتاج إلى إيران إذا كان يريد "تفكيك وفي النهاية تدمير داعش"، كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
كانت إيران مصعوقة من قبل التقدم السريع لداعش في العراق في الصيف مع عجز بغداد عن الرد بقوة أو الاستجابة للتهديد بفعالية، لكنها الآن تسيطر بثقة على الوضع، مستخدمة النزاع لإظهار قوتها.
عانت إيران من خسائر طفيفة للغاية في العراق، والتهديد الذي شكلته داعش تحت السيطرة. في مقابل ذلك، تلقت امتنان الشعب العراقي، وكثير منهم يشعرون بأنهم مدينون في جزء من أمنهم وسلامتهم إلى الجمهورية الإسلامية. فقد قال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني أن طهران كانت أول العواصم التي تورد أسلحة إلى رجاله عندما اندلع القتال مع داعش. كان هذا في الوقت الذي كان الغرب لا يزال يناقش فيه ما يجب القيام به للتعامل مع خطر داعش.
الآن، إيران ترسل يوميا طائرتين عسكريتين إلى ثلاثة محملة بالأسلحة إلى بغداد. تبلغ قيمة المساعدة اليومية أكثر من 10 ملايين دولار، وأكدها جمال جعفر، الزعيم الشيعي السابق لميليشيات عراقية. سليماني ورجاله حشدوا الميليشيات الشيعية للقتال ضد داعش، دعموا قوتهم وأعدادهم. وبعد العجز في البداية لصد داعش، ساعدت إيران في تنظيم قوات الأمن العراقية، بما في ذلك دمجها مع ميليشيات شيعية.
ونتيجة لذلك، تصاعد النفوذ الإيراني في العراق. ولكن هذا ينطوي على مخاطر. إذا دفعت إيران أجندتها الشيعية الطائفية بقوة، فإنها ستخاطر بمزيد من التقسيم للعراق، وهو ما تريد أن تتجنبه. وهذا هو السبب في تردد طهران منذ البداية في الإعلان عن وجودها في العراق. الصراع الآن يُنظر إليه في العراق على أنه صراع طائفي، والتدخل الإيراني الكبير لا يفعل شيئا سوى إضافة الزيت على النار. لكن إيران مضطرة إلى تحقيق التوازن بين التورط في صراع طائفي وفي الوقت ذاته احتواء داعش.
ساعدت الجهود الدولية لإضعاف الجماعة، جنبا إلى جنب مع عمليات طهران في تحسين الوضع. نتيجة لذلك، لا تشعر إيران بالحاجة إلى إخفاء وجودها في العراق. لكنها تتدخل بشكل يسلط الضوء على تعاونها مع فرقاء العراق الثلاثة: الأكراد والشيعة والسنة.
لقد أظهرت الأشهر القليلة الماضية أن إيران تستطيع التكيف سريعا وتعديل استراتيجياتها لتستجيب بفعالية للتهديدات المختلفة. وبعد التردد المبدئي، أضحت إيران الدولة الأولى التي ترغب في المشاركة بقوات برية في العراق، بالإضافة إلى المساعدة في الضربات الجوية. هذا يؤمن النفوذ الإيراني في العراق بفعالية شديدة. اليوم، لم يعد التحالف الدولي قادرا على تجاهل طهران في حربه ضد داعش.
(ميديل إيست آي)