طوال ما يزيد عن عام ونصف العام، لم تنقطع الأنباء عن تورط عبد الفتاح
السيسي في عمليات عسكرية داخل
ليبيا، لكن النظام
المصري كان دائم الإنكار، على الرغم من دعمه المعلن للواء المتقاعد خليفة حفتر في مواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة.
وبعد قتل
الأقباط المصريين في ليبيا على يد
تنظيم الدولة، أعلن السيسي قصف مدينة درنة، وأصبح تدخله العسكري في ليبيا علنيا بعدما كان بمثابة السر الذي يعرفه الجميع، بحسب مراقبين.
فهل خطط السيسي للحرب على ليبيا منذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي؟ وهل وجد ضالته في حادث ذبح الأقباط هناك ليبدو تدخله العسكري في ليبيا مقبولا؟ وما هي المكاسب التي ستعود عليه من خوض تلك
الحرب؟
أنا حليفكم الجديد
تقول الحكمة الشهيرة "إذا أراد الحاكم أن يغطي على فشله في الداخل فليفتعل حربا بالخارج"، ولا يخفى على أحد الواقع المزري الذي تعيشه مصر وفشل السيسي في حل المشكلات الأمنية والاقتصادية للمصريين التي وعد بحلها.
كذلك فإن السيسي وجد على ما يبدو الذريعة التي يمكنه بها تبرير تدخله عسكريا بشكل علني في ليبيا ودمج نفسه في تحالف دولي يلعب فيه دورا محوريا.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن السيسي أصبح حليفا للغرب بعد توجيهه ضربات جوية لتنظيم الدولة في ليبيا، ونجح بذلك في التغطية على القمع الذي يمارسه ضد معارضي الانقلاب في مصر، فلا صوت يعلو الآن فوق صوت المعركة ضد الإرهاب.
كما نجح في فرض الأمر الواقع على الغرب الذي تحالف معه وعقد معه صفقات ضخمة لتصدير السلاح، كما فعلت فرنسا مؤخرا، وقبلها أمريكا التي أفرجت عن مروحيات الأباتشي وأرسلتها للجيش المصري.
وعقب توقيع عقد صفقة طائرات رافال، أكد وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لو دريان" إن مصر وفرنسا "ستنفذان شراكة استراتيجية تم الاتفاق عليها بين البلدين لمواجهة التهديدات الأمنية".
سر يعرفه الجميع
كان إعلان السيسي عن تدخله عسكريا في ليبيا مسألة وقت فقط، فالرجل أعلن صراحة في حديث لموقع "فوكس نيوز" الأمريكي في مارس 2014 أن الولايات المتحدة وحلف الناتو أخطأوا حينما رفضوا نشر قوات لتحقيق الاستقرار في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي في 2011، ودعا الغرب إلى تصحيح هذا الخطأ "بشن حرب جديدة في ليبيا لمواجهة التطرف الإسلامي يكون هو الجيش المصري فيها".
وفي إبريل من عام 2014، أي قبل تولي السيسي منصب رئيس الجمهورية "بشكل رسمي"، حذر الكاتب البريطاني الشهير "ديفيد هيرست"، من خطورة الاستخفاف بدوافع الجيش المصري للتدخل في ليبيا،
وشدد على أن السيسي، المرشح للرئاسة في ذلك الوقت، يدفع بمصر نحو الجحيم ويجر دولا أخرى إلى الحرب في ليبيا.
وأضاف هيرست في مقال له نشرته "عربي21" مترجما عن موقع "هافينجتون بوست" أن الإدارة الأمريكية تعلم جيدا أن السيسي ينوي التدخل في ليبيا لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة، ولذلك وافقت على تزويده بطائرات الأباتشي ليستخدمها في حربه هناك.
ولم يتوقف الإعلامي المصري توفيق عكاشة المقرب من الأجهزة الأمنية عن القول بحتمية خوض الجيش المصري حربين قريبا ضد غزة وليبيا للقضاء على الإرهابيين، وشدد في نوفمبر 2014 على أن مصر ستخوض حربا شاملة في ليبيا في غضون ستة أشهر.
وفي الثالث من يناير الماضي، نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصدر دبلوماسي عربي قوله إن وزير الدفاع الفرنسي "أكد صراحة اقتراب بلاده من القيام بعمل عسكري في ليبيا بغضون الثلاثة أشهر المقبلة مع شركاء إقليميين ودوليين، بعد أن تحولت إلى أرض خصبة للإرهابيين وتمثل تهديدا للمنطقة ولفرنسا".
كما أعلن وزير خارجية إيطاليا "باولو جينتيلوني"، مطلع فبراير الحالي استعداد بلاده لقيادة تحالف إقليمي لقتال تنظيم الدولة، مبررا ذلك بأن إيطاليا باتت مهددة بالتنظيم الذي يوجد على بعد 200 ميل من شواطئها الجنوبية.
أسباب غير مقنعة للحرب
وزاد من الاعتقاد بأن التدخل في ليبيا تم التجهيز له منذ فترة طويلة، هو عدم اقتناع الكثيرين بأن الجيش الذي قتل آلاف المصريين خلال السنوات الأربع الماضية ومن بينهم عشرات المسيحيين في مذبحة ماسبيرو، قرر فجأة الثأر لدمائهم في ليبيا، خاصة وأن الحادث الأخير لم يكن الأول من نوعه، حيث سبق أن قتلت في ديسمبر الماضي أسرة مسيحية في مدينة سرت على يد تنظيم الدولة، ولم تحرك الدولة وقتها ساكنا.
كما أن الحكومة المصرية لم تبذل أي جهد يذكر لتحرير الأقباط المختطفين، على الرغم من مرور شهر ونصف على خطفهم، على عكس دول أخرى، مثل تركيا والأردن واليابان، التي أجرت مفاوضات حقيقية لتحرير رهائنها من أيدي تنظيم الدولة.
كذلك، فإن الضربة الجوية التي يقول السيسي إنها جاءت انتقاما لأرواح المصريين، تجاهلت في المقابل أرواح آلاف المصريين الموجودين في ليبيا، الذين سيكونون عرضة لانتقام التنظيم، ولم يقم السيسي بإجلائهم من أرض المعركة كما تفعل كل دول العالم قبل الدخول في حرب مع دولة أخرى، وهو ما يعني أنه لا يلقي لهم بالا أو ربما يريد مزيدا من الضحايا ليكونوا وقودا لحربه الجديدة.
وأخيرا، فإن رد الفعل الفوري وشن ضربات جوية على ليبيا بعد ساعات من الإعلان عن مقتل الأقباط أثار الشكوك حول وجود خطط معدة سلفا للتدخل العسكري في ليبيا.
ويبقى السؤال، هل تكون تلك الحرب الفرصة الأخيرة للسيسي لتثبيت أركان حكمه؟ أم تكون نهاية الجنرال في المستنقع الليبي؟