دفع الخوف من الاستهداف الطائفي في
العراق، وانتشار الميليشيات بشكل رسمي وعلني، في مدن وشوارع العاصمة بغداد، العديد من الشباب السنة العراقيين، إلى تغيير أسمائهم، وألقابهم العشائرية، وإخفاء
الطائفية التي ينتمون إليها، حفاظا على حياتهم، وخشية تعرضهم للقتل والاختطاف.
سفيان غير اسمه لـسيف
سفيان حمد الدليمي، موظف في إحدى الوزارات العراقية، يقول لـ"عربي 21" إنه "قبل التعيين نصحني أحد الأشخاص، إلى ضرورة تغيير اسمي، ولقبي العشائري، حفاظا على حياتي، فاضطررت إلى تغيير اسمي إلى سيف، لأنه اسم متداول بين السنة والشيعة، ولا يسبب مشكلات في حال اعتراضي من فرق الميليشيات الشيعية، وأنا ليس لدي أي مشكلة مع الأجهزة الأمنية".
ويضيف سفيان -أو "سيف" طبقا للاسم الجديد- البالغ من العمر 29 عاما، إنه "أحيانا يناديني الأهل والأصدقاء باسمي سيف. أشعر بداخلي بامتعاض شديد وألم، وأقول: لماذا هؤلاء لا ينادونني باسمي الحقيقي سفيان؟ ولكن، شيئا فشيئا بدأت استوعب الموضوع، لأن الحفاظ على حياتي أغلى من كل شيء حتى اسمي الحقيقي".
طوابير أمام مديريات الأحوال المدنية
وفي بغداد، يتوافد يوميا عشرات الشباب، إلى دوائر مديريات الأحوال المدنية الجنسية، ويصطفون في طوابير طويلة أمام النوافذ الخاصة، لإصدار هويات الأحول المدنية الجديدة، بعد محو اللقب العشائري، واختيار الأسماء الأكثر حيادية واستخداما وأمنا بين السنة والشيعة، مثل "علي"، "حسين"، "محمد"، كما يؤكد المقدم في إحدى مديريات السجل المدني.
وقال المقدم لـ"عربي21"، إن "طلبات التقديم لإصدار الهويات الجديدة ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال الأسبوع المنصرم، وأن نحو 200 عراقي غيروا أسماءهم بإجبار وإصرار من ذويهم، خشية سقوطهم فريسة سهلة بيد المليشيات في نقاط التفتيش، بحجة أنهم قوات أمنية عراقية رسمية، وقال إن من غيروا أسماءهم يريدون تجنب نقاط التفتيش التي تنصبها المليشيات عشوائيا وتقتل على الهوية".
اختفاء أسماء "عمر"، و"عثمان"، و"بكر"
وأشار المقدم إلى أن معظم من بدلوا أسماءهم، هم من العرب السنة، فغيروا أسماءهم من "عمر"، و"عثمان"، و"بكر"، و"سفيان"، و"طلحة"، و"خطاب"، إلى أسماء حيادية، لا تظهرهم أنهم من السنة.
وأضاف قائلا: "تزايدت مخاوف العراقيين من أن يقتلوا بسبب طائفتهم وأسمائهم، منذ سيطرة
تنظيم الدولة الإسلامية على محافظة الموصل العراقية، وسيطرتهم على أجزاء واسعة من صلاح الدين وكركوك، وانهيار الجيش العراقي، وتهديد زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بالتقدم نحو العاصمة بغداد، في العاشر من يونيو/ حزيران العام 2014، ما زاد من مخاوف
الشيعة".
السيساتي.. و"الجهاد الكفائي"
وكان رجل الدين الشيعي العراقي آية الله علي السيساتي، أصدر فتوى بضرورة "الجهاد الكفائي"، لمنع وصول مقاتلي تنظيم الدولة إلى العاصمة بغداد، وسمح بانتشار المليشيات الشيعية، جنبا إلى جنب مع القوات الحكومة العراقية، ما زاد عدد الشباب الراغبين في تغيير أسمائهم.
وبحسب مختصين في الشأن الأمني، فإن بقاء هذه المليشيات تعبث بأمن البلاد، وتمارس عمليات الاختطاف والقتل والسرقة، وعدم إيقافها عند حدودها وبدون حساب أو رادع، فإن العراق على شفا حرب طائفية مدمرة .
الاقتتال الطائفي
عمر الجنابي، طالب جامعي يسكن بحي اللطيفية، جنوب العاصمة بغداد، يبلغ من العمر 25 عاما، يقول لـ"عربي21" إنه "في أيام الاقتتال الطائفي الذي شهدته مدن عراقية لعام 2005، 2006 بين مليشيات شيعية، وفصائل سنية مسلحة، لم أكن مضطرا إلى تغيير اسمي؛ لأني كنت حينها مقيد الحركة، لكن، اليوم، في ظل انتشار المليشيات الشيعية التي تعمل تحت سلطة الدولة، وترتدي زي الأجهزة الأمنية، وتستخدم سياراتها، فالوضع مختلف تماما، ما دفعني لتغيير اسمي ولقبي، لكي يسهل عليّ التنقل من منطقة إلى أخرى بحرية، لأنني العائل الوحيد لعائلتي، وأخشى على نفسي من الموت".
يشار إلى أن عمليات الخطف على الهوية من الميليشيات أو مسلحين أو أشخاص يرتدون زيا رسميا، تتم بإيقاف مدنيين عراقيين على نقاط التفتيش، وفحص بطاقات هوياتهم بدقة، وإلقائهم في غياهب السجون السرية، أو قتلهم في المكان ذاته، وازدادات هذه الحالات مؤخرا بشكل مرعب في مناطق بغداد، وحزامها الجنوبي، وكذلك محافظة ديالى، وهي جرائم غالبا ما تحمل في طياتها صبغة الاستهداف الطائفي.