نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها في القاهرة بورزو داراغي، حول
احتجاجات بيئية لم يسبق لها مثيل في جزء ناءٍ من
الجزائر، عطلت العمل في برنامج قيمته بالمليارات لاستخراج النفط والغاز من الحجر الصخري، ما أثار موجات سياسية في هذا البلد وغيره في المنطقة.
ويشير التقرير إلى أنه منذ بداية شهر كانون الثاني/ يناير، يحضر آلاف المتظاهرين إلى بلدة عين صلاح في قلب الصحراء للمشاركة في مظاهرات صاخبة ضد مشروع تكسير للصخور الزيتية، الذي تبلغ قيمته 70 مليار دولار، بحجة أنه سيتسبب في تلويث المياه الجوفية، ويؤثر على
البيئة.
وتبين الصحيفة أنه في أوائل هذا الشهر أصبحت المظاهرات عنيفة، وحاول المتظاهرون القيام باعتصام في مرفق تابع لشركة الخدمات النفطية الأمريكية "هاليبيرتون". وقد تسبب هذا الأمر في مواجهة مع الشرطة في ثلاث بلدات أخرى، ما أدى إلى إصابة العشرات، وإلحاق الضرر بعشرات السيارات، وحرق بنايات تابعة للبلديات، الأمر الذي دفع الجيش إلى دخول المنطقة وفرض النظام فيها نوعا ما.
وينقل التقرير عن حمزة هاموتشين، وهو ناشط جزائري مقيم في المملكة المتحدة، قوله: "قامت الشرطة بإطلاق
الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين مباشرة، وكان ذلك عملا استفزازيا".
وتوضح الصحيفة أن المتظاهرين، الذين بينهم نساء وأطفال، قالوا إنه ليست لهم أي أجندة أخرى، سوى إيقاف ما يرونه تجربة خطيرة قد تؤذي نظام المياه الجوفية في الصحراء، وتتشارك فيها الجزائر وليبيا وتونس.
وتقول فتحية توني، وهي مدرسة، وقائدة بارزة للحركة البيئية: "كل شخص في العالم يعرف أن هذا خطير، وهناك أماكن في الغرب ممنوع فيها، ونحن لسنا حقل تجارب، وكل ما لدينا هو ماؤنا، ونحتاجه لسقي الحبوب وإطعام حيواناتنا"، بحسب الصحيفة.
ويذكر الكاتب أن الاحتجاجات، التي حظيت بتغطية قنوات التلفزيون العربية والمواقع الاجتماعية، لم تهدأ، وليس هناك ما يشير إلى تراجعها. وتعد الجزائر الثالثة أو الرابعة عالميا من حيث احتياطيها من الغاز المخزون في الصخور، حيث يقدر حجم هذا الغاز بـ 700 تريليون قدم مكعب، موزعة على ستة أحواض، وهذا الكم من احتياطي الغاز فتح جدلا حول إدارة الموارد.
وتنقل الصحيفة عن المحلل في مؤسسة الاستشارات "أفريكا ماترز" في لندن، عماد مسدونا، قوله: "لم نر من قبل مثل هذا، إنه موضوع نقاش على مستوى الوطن، ولكنه يدفع الجزائريين للتفكير بمقترحات حول ماذا نريد فعله بمواردنا".
ويلفت التقرير إلى أن الاحتجاجات على قضايا بيئية في العالم العربي نادرة، ومع ذلك فبعضها أتى بنتيجة، وأحد الاحتجاجات الناجحة كان في الإمارات العربية المتحدة، حيث نجح المحتجون من القبائل التي تقطن الأماكن النائية في السيطرة على الآثار البيئية والبنيوية التي تتسبب فيها عمليات التعدين في جبال الحجر على الحدود مع عمان، ما أدى إلى تشديد الرقابة على تلك الصناعة.
ويتابع الكاتب أنه قد فشلت بعض الاحتجاجات في إحداث تغيير، حيث لم تسفر المبادرات البيئية المتفرقة في لبنان عن تنظيف المياه الملوثة، بما في ذلك مياه نهر تحول لونه إلى لون الدم، بسبب الكيماويات التي تصب فيه.
ويشير التقرير إلى أن المظاهرات الجزائرية بدأت بعد نشرة إخبارية في يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت عن تجربة حفر ناجحة في عين صلاح.
وتنقل "فايننشال تايمز" عن المهندس محمد قاسمي، الذي يعمل في شركة "سوناتراك" التي تمتلكها الحكومة، قوله إنه أصبح قلقا بالنسبة لأسلوب التكسير بالماء المضغوط بعد أن قامت الحكومة بتمرير قانون عام 2013، بخصوص إنتاج الغاز من
الصخر الزيتي دون نقاش سياسي، "وعندما بدأنا نعرف غاز الصخر الزيتي بدأنا احتجاجاتنا".
ويفيد التقرير بأن الحكومة وصفت المتظاهرين بأنهم عملاء لبلدان أجنبية، وأصرت على استمرار المشروع، وقال الرئيس الجزائري عبد العزير بوتفليقه الشهر الماضي: "مصادر الطاقة كلها، إن كانت تقليدية أو غير ذلك، هي هدية من عند الله، وواجبنا هو أن نستغلها ونطور بلدنا، وفي الوقت ذاته نحترم البيئة، ونتخذ الاحتياطات اللازمة لعدم التأثير على الصحة".
وتورد الصحيفة أن رئيس الوزراء الجزائري، عبد الملك السلال، قال إن بلاده مستمرة في التنقيب عن الوقود غير التقليدي، بما في ذلك الغاز المنتج من الصخور الزيتية، وبالإضافة إلى شركتي "هاليبيرتون" و"سوناتراك"، هناك شركة "توتال" الفرنسية التي تقوم أيضا بعمليات التنقيب.
ويذكر التقرير أن عملية التكسير بالماء المضغوط تتم بضخ كميات كبيرة من الماء المخلوط بالرمل والكيماويات في أعماق الأرض لكسر الصخر الزيتي وتحرير الغاز المحبوس. ويرى المدافعون عن البيئة بأن الكيماويات المستخدمة ليست آمنة، وأن هناك خطرا على مصادر المياه.
وتبين الصحيفة أن الاحتجاجات انتشرت إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك العاصمة، وحمل هذه القضية معارضو الحكومة، وكذلك سكان الجنوب الذين يرون بأن قراهم محرومة من موارد الدولة. ويقول رئيس الوزراء الأسبق ورئيس المعارضة الحالي، علي بن فليس: "تعب الناس من الحكم الاستبدادي".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن فتحية توني، قائدة الاحتجاج، تقول إن ما ينظر إليه بأنه فساد، بالإضافة إلى الغضب حول توزيع الحكومة للموارد، وخاصة موارد النفط الضخمة، زاد من التشكيك في المشروع، وقالت: "احتجاجاتنا ليست حول الاقتصاد أو التوظيف، فالحكومة كانت تعد بهذه الأمور من خمسين سنة مضت".