بالنسبة إلى عالم التاريخ الطبيعي البريطاني
تشارلز داروين الذي عاش خلال القرن التاسع عشر الميلادي، فإنها أغرب المخلوقات التي اكتشفت وقتئذ. فإحداها يشبه هجينا من
فرس النهر ووحيد القرن والقوارض، فيما يشبه الآخر جملا دون سنام له خرطوم مثل الفيل..
ومنذ أن جمع داروين
حفريات هذه
الكائنات قبل نحو 180 عاما، فإن العلماء لا يزالون في حيرة من أمرهم بشأن تعيين موقع هذه المخلوقات العجيبة المتوحشة التي اكتشفت في أمريكا الجنوبية وانقرضت منذ عشرة آلاف عام فقط، على شجرة عائلة الثدييات.
أما الآن فقد تم حل
اللغز.. وقال الباحثون أمس الأربعاء، إن تحليلا متطورا - لمادة الكولاجين المستخلصة من حفريات الكائنين "توكسودون" و"ماكروشينيا" بالاستعانة بالكيمياء الحيوية - أوضح أنهما يمتان بصلة قرابة لمجموعة الحيوانات التي تضم أيضا الحصان والتابير ووحيد القرن.
وكان بعض العلماء يعتقدون من قبل أن هذين الكائنين الثديين - وهما آخر أفراد مجموعة من ذوات الظلف عثر عليها في أمريكا الجنوبية - من أقارب ثدييات من أصل أفريقي مثل الفيلة وخنازير الأرض، أو ثدييات أخرى في أمريكا الجنوبية مثل الحيوان المدرع (أرماديللو) وحيوان الكسلان.
وقال إيان بارنس عالم أحياء التطور الجزيئي بمتحف التاريخ الطبيعي بلندن، ونشر بحثه في دورية "نيشتر": "نجحنا في حل واحد من الألغاز الكبيرة الغامضة في ميدان تطور الثدييات، ألا وهو أصل الثدييات ذات الظلف التي استوطنت أمريكا الجنوبية".
أما "توكسودون" فيبلغ طوله 2.75 متر وله جسم مثل وحيد القرن ورأس شبيه بفرس النهر وله ضروس خلفية دائمة النمو مثل القوارض. وأما "ماكروتشينيا" فطوله يشبه الأول، لكنه أخف وزنا وأقل جرما وله أرجل طويلة ورأس طويل وخرطوم صغير.
وقال روس ماكفي عالم الأحياء القديمة بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك: "بعض الأفكار المبكرة لداروين عن التطور من خلال الانتخاب الطبيعي مستمدة من التأمل في بقايا التوكسودون والماكروتشنيا التي تشبه بصورة مشوشة ملامح عدد من المجموعات الأخرى التي تلاشت في فترات حديثة".
وحاول الباحثون - لكنهم أخفقوا - استخلاص الحمض النووي (دي أن إيه) من الحفريات، لكنهم تمكنوا من التعامل بحذق مع بقايا ضئيلة ظلت متبقية من الكولاجين، وهو يمثل المركب البروتيني البنائي لمختلف أنواع الأنسجة بما فيها العظام والبشرة.
وقام العلماء بمقارنة الكولاجين بطائفة واسعة من الكائنات الحية وقلة من الثدييات المندثرة، حتى يتسنى لهم أن يضعوا هذه الكائنات على موقعها الذي تستحقه على شجرة العائلة.
وقال ماكفي إن هذه المجموعة وصلت إلى أمريكا الجنوبية قادمة من أمريكا الشمالية في نفس الوقت تقريبا الذي انقرضت فيه الديناصورات قبل 65 مليون عام، في إطار كارثة مكنت الثدييات من أن تصبح سيدة الموقف على سطح الأرض.
وقد نشأت طائفة متنوعة ذات أصول من مصادر مختلفة من الثدييات، منها حيوان الكسلان البري الذي يماثل في حجمه الفيل والجرابيات ذات الأسنان السيفية الشكل في أمريكا الجنوبية.