من يشاهد صور استقبال
الملك سلمان أولياء العهد ووزراء داخلية دول «المجلس» في قصر
العوجا في الدرعية، لا يجد في هذا الاجتماع الحساس ما يظهر حال التوتر الحادة أو الشعور بالقلق، فيفترض إما أن دول الخليج غير مبالية بأحداث
اليمن وتطوراتها التصاعدية، وإما أنها تتوافر على خطة ناضجة تملك أدوات حل ومعالجة جذرية.
السعودية تحديداً لا تتراخى في المسألة اليمنية، بحكم الجيرة والعلاقات المتجذرة، ولارتباط الوضع اليمني بأمنها المباشر، فليس في المسألة ترف ولا سعة في الوقت. وإن لم تكن قد استقرأت الحال استقراء جيداً ودقيقاً فإن المؤشرات خطرة، وخصوصاً أن طهران تدفع بممثلها الحوثي عميقاً في الجغرافيا، فإن أصبح الحوار ضرورة كان لديها ما تراهن عليه وتطلب في مقابله، فالسيطرة على تعز ليست مجرد محطة إمداد إيرانية للحوثي، بل هي مساحة ادعاء القبول الشعبي، والسيطرة الفعلية، ومنطقة ضغط على عدن والرئيس هادي.
اجتماع «العوجا» لم يكن تقليدياً في كل تفاصيله، فهو جاء مفاجئاً، وهو ليس اجتماعاً رسمياً للمجلس، فلم يحضره الأمين ولم تحضره عُمان، وهو ليس على مستوى الوزراء، بل هو سيادي، فالمشاركون أصحاب قرار مباشر، ثم إنهم اجتمعوا إلى الملك سلمان واستمعوا إلى رؤيته وموقفه وتصوره قبل أن يلتم شملهم، في اجتماع شبه رسمي، مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وبحضور وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، لرسم خريطة محددة لمعالجة الأزمة في اليمن، علماً بأن مجلس التعاون يعتبر في حال انعقاد دائمة.
«العوجا» هي الدرعية، منطلق الدولة السعودية منذ يومها الأول، وهي نداء الحرب والنخوة في التاريخ السعودي. وربما يكون الاجتماع المنطلق منها يفوق كونه حالاً ظرفية، ليعبر بصورة غير معلنة بشكل مباشر، عن تصميم دول «المجلس» على عدم السكوت عن الوضع، لأجل تحصينه من شرارة الحرب الأهلية، ومنع الانقلاب من العبث بمكوناته وتشويه صورته. وهي خطوة عملية لم تتوقف أصلاً، لكن ملامحها قد تتضح كلياً حال انعقاد جلسات الحوار الوطني في الرياض، سواء أشارك فيها الحوثي أم غاب، فحتى الآن هو محل توافق معظم القوى السياسية والقبلية في اليمن.
كان تأييد «المجلس» لاتفاق «الشراكة والسلم» مفاجئاً ودلالة ضعف في بدء الأمر، لكن الأيام برهنت على سلامة هذا الموقف، فهو لم يستبعد الحوثي مكوناً يمنياً، وأظهر حرصه على استقرار اليمن، لكن ممارسات الحوثي كشفت عن وجهه الحقيقي، فكان طبيعياً سقوط هذا الاتفاق المعيب تلقائياً.
يقول أحد الخبراء في الشأن اليمني، إنه علامة التحول في وقف التمدد الإيراني، وإن تحقق ذلك فإنه يفتح الباب لإعادة تصحيح الأوضاع في البلدان الأخرى.
اقتحام تعز يسقط الاحتمالات الإيجابية لخلق بوابة حوار مثمرة، ويعني ضرورة أن تتوافر لعدن مقومات دفاعية قومية عبر كل الطرق، حتى إن لم يصدر مجلس الأمن قراراً بالتدخل العسكري.
كل الأوراق في اليمن مكشوفة وظاهرة، فمن يحمل الأوراق الأقوى؟
عودة إلى اجتماع «العوجا» فإنه، كما يبدو، خطة عمل لا تراهن طويلاً على آمال التقارب والحوار، وإنما تجعل محركها الأساس هو التعاطي مع الأحداث على الأرض، والرد عليها مباشرة، وهو أمر لن يطول انتظاره طويلاً، فالأحداث تتوالى، وإن طال الصمت سادت البندقية واستكانت الجغرافيا.
(نقلاً عن صحيفة الحياة اللندنية)