بينما توقع الحكومات غرامات وعقوبات قد تصل إلى حد السجن على مستخدمي أساليب الصيد الجائر، كونه يخل بالنظام البيئي، فإنها من ناحية أخرى تواجه التنظيمات الإرهابية بهذا الأسلوب الذي تحاربه، حيث اعتبر خبراء اقتصار مواجهة هذه التنظيمات على الأساليب العسكرية أشبه بـ"الصيد الجائر" الذي يضر ولا يفيد.
قد تبدو المقاربة بين الحالتين بعيدة، ولكن تقريرا نشره
تنظيم الدولة على صفحات بمواقع تابعة له على الإنترنت، هي التي أوجدت تلك المقاربة بعد أن قال التنظيم إنه سيتبع استراتيجية عسكرية جديدة هي "السمكة في الصحراء".
وتسير هذه الاستراتيجية على نمط أسلوب حركة نوع من أنواع الزواحف اسمه "
سمكة الرمال أو الصحراء" أو كما يسميها بعضهم بـ"السحلية"، وهي تمتلك أربعة قوائم وتشبه إلى حد كبير الورل إلا أنها أصغر حجماً منه بكثير وتختبئ في الرمال عن طريق الغطس شأنها شأن السمكة في البحر، وتعتمد في تنقلها على هذا الأسلوب بشكل عام.
واتّبع تنظيم الدولة خلال الفترة القريبة الماضية هذا الأسلوب في تنفيذ أهدافه وضرب خصومه، فهو ينسحب من مكان يتعرض فيه لهجمات أو يلقى ضربات عنيفة، ليخرج في مكان آخر غير متوقع من قبل الخصم، كما يستعمل هذا الأسلوب في الوصول إلى مناطق جديدة بعيدة عن المناطق التي يتواجد فيها.
وقبل أيام من القمة العربية الـ 26 التي ستبدأ أعمالها بعد أيام ووضعت الإرهاب على قائمة اهتماماتها، أعرب خبراء عسكريون وسياسيون عن آمالهم في أن يخرج القادة العرب بحلول غير تقليدية، في مقدمتها ما يعرف بـ "
الصبر الاستراتيجي"، وقالوا إنه وسيلة مهمة في مواجهة تسلل السمكة، مشيرين إلى أن استخدام الوسائل العسكرية فقط هو أشبه بالصيد الجائر، الذي تحاربه الحكومات لأنه يضر ولا يفيد.
وقال صفوت الزيات العميد المتقاعد في الجيش المصري: "الأنظمة العربية للأسف لم تقرأ إلى الآن أدبيات مكافحة الإرهاب، وتتعامل مع هذه المشكلة بأنماط الحرب التقليدية، بما يؤدي إلى اكتسابها المزيد من الأعداء".
وأضاف الزيات: "بينما تواجه الأنظمة العربية، الإرهاب، بأساليب الحرب التقليدية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية صكت مؤخرا مصطلحا يعرف بـ (الصبر الاستراتيجي) في مواجهة التنظيمات الإرهابية".
وأوضح الزيات أن الولايات المتحدة لديها من الموارد القتالية التقليدية ما يمكنها من تنفيذ ضربات متكررة ومتعددة للتنظيمات الإرهابية، لكنها لا تفعل ذلك، وتتعامل معها بمنطق (الصبر الاستراتيجي)، لأنها تدرك أنها قواتها تقاتل في بيئة معادية لها".
ولفت الزيات إلى أن تسلل تنظيم الدولة بأسلوب "السمكة"، يعتمد على أمرين، أولهما أخطاء التحالف الدولي ضد داعش، فكلما استهدف مكانا خلف ضحايا من المدنيين، وخلق بيئة متعاطفة مع التنظيم، والثاني هو ممارسات الأنظمة لعربية ذات الصبغة الطائفية، والتي تؤدي ممارساتها إلى زيادة الإحساس بـ "المظلومية" وخلق أجواء من التعاطف مع تنظيم الدولة.
وانطلاقا مما سبق، يرى الزيات أن وقف تسلل سمكة تنظيم الدولة، يحتاج من القادة العرب وقفة جادة تجاه الأنظمة الطائفية التي تولد الارهاب، وإعادة تعريف الإرهاب، بحيث يتم الفصل بينه وبين النزاعات الداخلية السياسية، والتخلي عن وصف الخصوم السياسيين بهذا الوصف، لأن ذلك يؤدي إلى خلط الأوراق.
وأضاف العميد المتقاعد: "في حال عدم نجاحنا في تحقيق هذين الأمرين، فإن فكرة مثل تشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب، والتي تتبناها مصر، لن يكتب لها النجاح، رغم أهميتها".
وأشار محمد علي بلال اللواء المتقاعد في الجيش المصري، إلى وسيلة أخرى من وسائل "الصبر الاستراتيجي" في مواجهة تنظيم الدولة، وهو مواجه داعش بـ "الفكر".
وقال بلال: "هذا التنظيم يخلق انطباعا بأنه يتسلل مثل السمكة، وهذا غير واقعي، والحقيقة أنه يعتمد على وجود قلة تؤمن بأفكاره في الدول المختلفة، ونجح في الوصول إليها دون أن يتواجد عسكريا في هذه الدول، من خلال وصول أفكاره إليهم".
وأضاف: "في مصر على سبيل المثال، فإن تنظيم مثل أنصار بيت المقدس كان يتبنى تفجيرات سيناء، ثم فوجئنا لاحقا أن نفس التنظيم يقول إنه داعش".
والحل لمواجهة انتشار هذا الفكر المتطرف، هو مواجهته بالفكر الوسطي، على أن يسير ذلك جنبا إلى جنب مع الحلول العسكرية التي تحتاج إلى تنسيق بين الدول العربية ، بحسب بلال.
وقال : "هذا التنسيق يحتاج لتوافق سياسي يمهد لتوافق عسكري، وبدون تحقيق الأول لن يتحقق الثاني".
وفي كلمته يوم 20 آذار/ مارس الجاري، في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، ركز معاذ الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض على نفس رؤية مواجهة الإرهاب التي طرحها بلال.
وقال الخطيب في الكلمة: "مواجهة الإرهاب لا تكون بالقوة العسكرية فقط، فخلق الحاضنة الوسطية التي تواجه الفكر المتطرف مهم".
وتطرق الخطيب في كلمته إلى الدور الذي يلعبه النظام السوري في تصدير الارهاب للمنطقة، واتفق مع ما ذهب إليه الزيات من أن ممارسات هذا النظام خلقت بيئة خصبة للإرهاب، وجعلت الشعب السوري في مواجهة بعضه.
وأضاف: "استمرار هذا النظام سيحول سوريا إلى بؤرة للتطرف العالمي".