تقول صحيفة "فايننشال تايمز" إنه عندما اندلعت الحرب في مدينة عدن الاستراتيجية لم يكن أحد يعرف من يقاتل، وتتساءل: لماذا يعتمد الرئيس الشرعي على قوى قبلية غير رسمية وقوات انفصالية لمهاجمة قاعدة عسكرية، رغم أنه رسمياً القائد العام للقوات المسلحة؟
وترى الصحيفة أن مفتاح الجواب يكمن في الرئيس السابق علي عبدالله
صالح، الذي حكم البلاد لمدة 33 عاماً، حتى تم استبداله بالرئيس عبد ربه منصور
هادي. وفي ذلك الوقت بدت عملية نقل السلطة منظمة، بعد سنوات من الاضطرابات التي شهدها
اليمن والعالم العربي.
ويشير التقرير إلى أن المخابرات الأمريكية كانت قد قدرت أن صالح لن يعمر في الحكم سوى شهر، عندما وصل إلى الحكم عام 1978، ولكنه أثبت أنه أكثر الساسة اليمنيين كيداً وخداعاً، ونجا من اضطرابات العالم العربي. وفي عام 2011 نجا من تفجير استهدفه عندما كان في المسجد، وخلف عدداً من مساعديه قتلى.
وتبين الصحيفة أنه بعد انهيار حكمه تفاوض على صيغة يترك من خلالها الحكم، مقابل منحه الحصانة من المحاكمة للجرائم التي ارتكبها في أثناء الثورة، وظل على رأس أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
ويذكر التقرير أنه منذ ذلك الوقت أشرف على تدمير الجماعة الإسلامية المحافظة، التي حاولت الإطاحة به عام 2011، وحاولت يد صالح الخفية إضعاف الرئيس هادي.
وتنقل الصحيفة عن عبد الكريم الجنيد، وهو أحد الناشطين المعادين للحوثيين في مدينة تعز، قوله: "هي رقصة من رقصات صالح"، في إشارة إلى ما قاله الرئيس السابق من أن حكم اليمن يشبه "الرقص مع الثعابين". فدون دعم صالح لم يكن
الحوثيون قادرين على الوصول إلى صنعاء وتحقيق ما وصلوا إليه.
ويوضح التقرير أنه عندما اجتاز الحوثيون محافظة عمران، التي تسكنها عشائر سنية معادية لهم، قدمت العشائر الموالية لصالح الدعم للحوثيين، وهو ما أدى إلى سيطرتهم على المنطقة. وعندما وصلوا إلى صنعاء في أيلول/ سبتمبر العام الماضي دخلوها بدعم من الوحدات العسكرية الموالية لعائلة صالح، بحسب تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة، وجاء فيه أن "الحوثيين تلقوا دعماً صريحاً من الحرس الجمهوري، الذي نظمه أعضاء في عائلة صالح، والذي سهل غزو صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة ووزارات الحكومة".
وتلفت الصحيفة إلى أن الحوثيين قد تلقوا الدعم من الوحدات الخاصة الموالية لصالح في الجيش اليمني، حيث تمكنت من تعزيز سيطرتها على مناطق شمال وغرب البلاد. ويقول الجنيد: "لم يغز أحد تعز"، وهي المدينة الصناعية التي يستخدمها الحوثيون والموالون لصالح للتوغل في الجنوب. فقد ساعدتهم "وحدات محلية" للسيطرة على المدينة.
ويجد التقرير أن دعم صالح للحوثيين ربما جاء في البداية للانتقام من الجماعات اليمنية المحافظة، التي تخلت عنه في أثناء الثورة، فهذه القوى التي كانت قوة لا يمكن تجاوزها، وأدت دوراً للإطاحة بصالح، تم سحقها في محافظتي عمران وصنعاء عام 2014.
وتفيد الصحيفة بأن الرئيس هادي قد عزل أفراد عائلة صالح من الجيش والأمن، في محاولة منه لتخفيض قوة الرئيس السابق، وهي خطوة أغضبت الرجل الذي لا يزال ينظر إلى نفسه على أنه "زعيم"، والرجل الذي خطط منذ مدة طويلة لتوريث ابنه أحمد السلطة، وظهرت صور نجل صالح في شوارع العاصمة، ودعا الموالون لصالح إلى تنصيبه رئيساً على البلاد.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن
السعودية قد شعرت بالضيق من الطريقة التي خسرت فيها قوات هادي أمام قوات الحوثيين المدعومين من إيران. وكان من بين الأهداف التي ضربتها السعودية مجمعاً سكنياً لصالح في بلدته سنحان. وترى أن صالحاً من خلال إغضابه داعميه السابقين، قد يدفع ثمن حماقة لعبته التي رسم قواعدها.