بإمكان السيد حسن
نصر الله الأمين العام لحزب الله أن ينتقد من يشاء، وأن يشتم من يشاء، وأن يتوعّد من يشاء، لكن ليس للآخرين أن يصدر عنهم أي ردة فعل على انتقاده وشتمه وتوعّده. فحزبه إلهي، وماله طاهر، ومناصروه أشرف الناس، وهذا يمنحه الشرعية ليكون معصوماً عن الخطأ. أما إذا ارتكب خطأ فاضحاً لايمكن تبريره أو تحويره يصبح خطؤه صواباً وعلى الآخرين السير بهداه واللحاق به.
حسن نصرالله بإطلالته التلفزيونية الأخيرة، وكما دأب مؤخراً، تجاوز القضايا والمشاكل اللبنانية الكثيرة والشائكة ويمّم وجهه شطر المملكة العربية السعودية، منتقداً
عاصفة الحزم التي تقودها المملكة، واعداً بهزيمة النظام السعودي، لأنه حسب تعبيره ستكون "الهزيمة والمذلة والعار مصير الغزاة"، ولأن "الشعب
اليمني سيقاتل دفاعاً عن عرضه وأرضه"، لافتاً إلى أنه "من حق الشعب اليمني المظلوم والشريف والشجاع والحكيم، أن يدافع ويقاوم وهو يفعل ذلك وسيفعل ذلك وسينتصر". ما انتظرناه من نصر الله هو أن يحدد لنا من يقصد بالشعب اليمني، هل هم غالبية اليمنيين الذين ثاروا على نظام علي عبد الله صالح، وأزاحوا حكماً بعدما اعتصموا وتظاهروا وتحملوا القتل والإرهاب والاعتقال، أم هم القادمون من جبال صعدة الذين تحالفوا مع الرئيس المخلوع وحاصروا القصر الرئاسي، وألغوا نتائج انتخابات ديمقراطية، ونصبوا أنفسهم أوصياء على إرادة الشعب اليمني، بعدما فرضوا سطوتهم بقوة السلاح؟ هؤلاء هم الشعب اليمني حسب نصر الله؟.
ربما حسب قاموس أمين عام حزب الله، الشعب هم فقط الذين يملكون السلاح دون غيرهم من المواطنين. ففي لبنان ينفرد حزب الله ومناصروه بحيازة السلاح بذريعة المقاومة، ونصرالله يحرص في كل مناسبة على تذكير اللبنانيين أن حزبه ومناصريه هم أشرف الناس، وأطهر الناس، وأكرم الناس، ويتهم بقية اللبنانيين الذين يرفضون التصفيق له والتهليل لشعاراته واللحاق بركبه بالعمالة لإسرائيل وخدمة المشروع الصهيوني، في الوقت الذي بات فيه جميع اللبنانيين يدركون أن سلاح حزب الله كاد يصدأ لعدم استعماله، لولا أن تداركته الثورة السورية فاستخدم في قتل الشعب السوري، بعيداً عن حدود فلسطين مئات الكيلو مترات.
ماشأنك أنت واليمن، من أنت حتى تتحدث عن اليمن وتدعو للحوار، وتطالب بوقف "عاصفة الحزم"؟ بأي صفة تتحدث عن أمر لاعلاقة لك به وتقحم اللبنانيين معك؟ ربما نفهم تدخلك في الأزمة السورية وغرق حزبك في دماء الشعب السوري، بذريعة مساندة النظام المجرم الذي يدعمك ويوفر لك الغطاء السياسي والأمني والعسكري، ولكن ماذا عن اليمن؟ تريد أن تدافع عن الشعب المظلوم كما تقول؟كان حرياً بك أن تدافع عن الشعب السوري، أو على الأقل ألا تشارك في قتله وحصاره وتجويعه.
ليست المرة الأولى التي يتجرأ فيها حسن نصرالله ويحشر نفسه وحزبه وبقية اللبنانيين فيما لايعنيهم. فقد سبق له قبل أسابيع أن تدخل بالشأن البحريني، ووصلت به الوقاحة إلى حد تشبيه البحرين بإسرائيل الثانية، ووصف ماتقوم به السلطات البحرينية بالمشروع الصهيوني. وليس جديداً تدخله الإعلامي بالشأن العراقي، هذا عدا عن المعلومات التي تؤكد تدخل حزبه الميداني من خلال مشاركة الميليشيات العراقية في عملياتها العسكرية. بعد كل ذلك يصر نصرالله على إقناعنا بأن حديثه عن العراق والبحرين واليمن ليست له خلفيات طائفية، وأن محاسن الصدف فقط هي التي جعلت مواقفه من أزمات هذه البلدان نسخة طبق الأصل عن مواقف إيران.
اللافت أن نصرالله وحزبه يدركون أن تدخلهم في شؤون البلدان الأخرى لن يقدم شيئاً، وأن أحداً لم يعد يعبأ بمواقفه، وأن الاهتمام والتأييد الذي كان يحظى به نصرالله في الماضي يعود فقط للدور الذي أدّاه حزبه في مواجهة إسرائيل ومساندة الشعب الفلسطيني. أما بعدما انحرفت بوصلة بندقية الحزب، وانتقلت من مواجهة إسرائيل إلى صدور اللبنانيين وصدور الشعب السوري، فإن أحداً لم يعد يهتم بما يقول.
إن تدخل نصرالله في قضايا تخص الأقطار العربية الأخرى، لن يثمر إلا إساءة للعلاقة التي تربط لبنان بهذه البلدان التي طالما كانت سنداً وداعماً للبنان واللبنانيين، ولن تكون نتيجتها إلا يقيناً بزيف الشعارات التي يرفعها نصرالله وحلفاؤه، وأن راية تحرير فلسطين ومقاومة إسرائيل التي يرفعونها إنما هي ورقة توت لستر العفن الذي تخفيه. على نصرالله أن يدرك أن إساءته للدول العربية لايقتصر انعكاسه السلبي على حزبه، بل يطول جميع اللبنانيين، وهو أمر يتعارض مع رغبة غالبية اللبنانيين الحريصين على أفضل العلاقات مع أشقائهم العرب.
(نقلاً عن صحيفة بوابة الشروق)