نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول تزايد حضور
تنظيم الدولة في
ليبيا، ورأت أن هذا التنظيم الذي ظهر إلى العلن فوق التراب الليبي في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وسع من مجال نفوذه كثيرا، لدرجة أنه ابتلع "تنظيم
أنصار الشريعة" المسلح، رغم أن هذا الأخير كان منذ اندلاع الثورة الليبية يمتلك حضورا قويا في هذا البلد.
ورأت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن تنظيم الدولة، بعد أن أصبح ممسكا بزمام الأمور في ليبيا، كثف من عملياته المسلحة من تفجيرات وهجومات على السفارات والمنشآت النفطية، وعمليات اختطاف وإعدام.
وأشارت إلى أن هذا التنظيم ظهر بشكل رسمي في ليبيا في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2014، عندما أعلن مجلس شورى الشباب الإسلامي، وهو مجموعة مسلحة تسيطر على مدينة
درنة الساحلية، عن مبايعته لأبي بكر البغدادي أمير التنظيم في العراق والشام.
وبات تنظيم الدولة منذ ذلك الوقت يشن هجمات متنوعة داخل التراب الليبي، على غرار عملية فندق كورينتيا في طرابلس في السابع من كانون الثاني/ يناير الماضي، وذهب ضحيتها تسعة قتلى، والهجمات الانتحارية في مدينة القبة في العشرين من شباط/ فبراير، وأوقعت 50 قتيلا، والهجمات التي استهدفت سفارتي كوريا الجنوبية والمغرب في طرابلس في 12 نيسان/ أبريل الجاري.
ورأت الصحيفة أن تنظيم الدولة لم يكتف بالسيطرة على درنة، أول معقل له خارج نطاق سيطرته الأصلي في سوريا والعراق، حيث ركز في منتصف شباط/ فبراير الماضي قواعده في مدينة
سرت، الواقعة في وسط الشريط الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسط، وقام بالتزامن مع ذلك بتبني الهجمات التي استهدفت عدة حقول نفطية في هذه المنطقة، على غرار حقل المبروك الذي تستغله شركة "توتال" الفرنسية.
ولاحظت الصحيفة وجود قاسم مشترك بين درنة وسرت، يتمثل في كون هاتين المدينتين خضعتا بعد الثورة الليبية لسيطرة تنظيم أنصار الشريعة، وهو تنظيم مسلح تصنف الأمم المتحدة فرعيه في بنغازي ودرنة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.
كما نقلت الصحيفة عن مصطفى أبو سعيد، الذي يعمل ضمن جهاز مخابرات مصراتة، قوله إن "تنظيم أنصار الشريعة اختفى اليوم في سرت، حيث إن عناصره رحلوا إلى بنغازي لخوض المعارك هناك، أو التحقوا بتنظيم الدولة في سرت، أو عادوا إلى مناطقهم الأصلية".
وبحسب الصحيفة، يمكن وصف العلاقة بين تنظيم أنصار الشريعة وتنظيم الدولة بعبارة "الحب من طرف واحد"، حيث إن الأول بصدد التفريط بنفوذه في ليبيا لمصلحة الثاني، لأن تواصل الحرب الأهلية واستفحال العنف يؤدي بالضرورة لجنوح المقاتلين نحو مزيد من التطرف، وهو شعور يحسن تنظيم الدولة استغلاله من خلال نشر التسجيلات المصورة للعمليات الدموية التي يرتكبها، بهدف إظهار القوة والحزم، وجذب المزيد من الشباب الغاضب.
وفي الثلاثين من آذار/ مارس الماضي، أعلن القيادي في أنصار الشريعة أبو عبد الله الليبي، يصحبه عدد من رفاقه، الانشقاق عن جماعته والانضمام لتنظيم الدولة. ولكن في المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن التنظيمان يخوضان المعارك جنبا إلى جنب في بنغازي ضد قوات برلمان طبرق التي تحظى باعتراف المجتمع الدولي.
وذكرت الصحيفة أن أغلب الموقوفين المنتمين لأنصار الشريعة في سجن برسس، الواقع على مسافة خمسين كيلومترا من مدينة بنغازي، لا يرون وجود أي فرق بين تنظيمهم وتنظيم الدولة.
وفي هذا السياق، نقلت عن أحد هؤلاء الموقوفين، وهو مسعود عبد الهادي، قوله إن "عناصر التنظيمين يعملان معا جنبا إلى جنب، وأن العلاقات بينهما قوية جدا".
ولاحظ التقرير أن أغلب هؤلاء الموقوفين لم يتلقوا تعليما جيدا، أو أنهم لا يزالون في سن المراهقة، على غرار عبد السلام بن نعمان وعامر بن نعمان، وهما شقيقان من مواليد عامي 1998 و1999، وأصبحا خبيرين في تفخيخ السيارات، ويتم اليوم التحقيق مع هذين القاصرين في أكثر من 150 قضية.
ونقلت الصحيفة عن هذين المتهمين اعترافهما بأنه تم تجنيدهما في المسجد، وتم إقحامهما في المعارك باستعمال حجج دينية، مثل التقرب إلى الله ودخول الجنة.
وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن عبد ربه الشريف، وهو طالب حقوق يبلغ من العمر 22 سنة، أنه لم يقتنع أبدا بالانضمام لأنصار الشريعة، حيث يقول إن "قادة هذا التنظيم يقومون في البداية بجذب الشباب للقيام بأنشطة خيرية مثل إطعام الفقراء وإصلاح الطرقات، ما يشجعهم على كسر حاجز التردد، والانخراط في نشاطات التنظيم، كما إنهم (قادة التنظيم) يتميزون بالذكاء والحنكة، ويملكون إجابات على كل الأسئلة، ولهم طرقهم الخاصة في تفسير النصوص الدينية، والتأثير على الشباب المتقد بالحماس".
وأضافت الصحيفة أنه على عكس الأخوين بن نعمان، اللذين التحقا بالتنظيم في غضون أسابيع قليلة، احتاج عناصر التنظيم لسنة كاملة لإقناع عبد ربه الشريف بارتكاب أول عملية قتل، بعد أن قاموا بغسل دماغه، ما جعله لا يتردد في تنفيذ الأوامر وممارسة القتل.
وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أن تنظيم أنصار الشريعة يسير شيئا فشيئا نحو الاضمحلال، بسبب ظهوره بمظهر الضعيف والمتردد، مقابل تعاظم سطوة تنظيم الدولة، والهالة الإعلامية التي تحيط به.