نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا حول تفاقم مأساة غرق قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، ورد فيه أن
أوروبا تقف حائرة أمام ظاهرة تفاقم
الهجرة السرية، وهي مطالبة اليوم بالتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية، والتصدي لشبكات تهريب البشر، وصياغة مقاربة أوروبية سياسية مشتركة لمعالجة هذه الظاهرة على المدى الطويل.
ورأت الصحيفة في هذا التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن أزمة قوارب الهجرة السرية في
البحر المتوسط تضع أوروبا أمام حقيقة مأساوية لطالما فضلت تجاهلها، بسبب ترددها بين خيارين متناقضين: أحدهما تفرضه القيم الإنسانية التي تتبناها، والآخر تفرضه الجمعيات والأحزاب المعادية للأجانب التي أصبحت أطروحاتها العنصرية تلقى رواجا أثبتته النجاحات النسبية التي حققتها في الانتخابات.
وبحسب الصحيفة، ينتظر أن تتم دراسة كل الحلول الممكنة خلال القمة الأوروبية العاجلة، التي ينتظر أن تنعقد يوم الخميس بطلب من رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، بهدف تنسيق الجهود والقيام بتحرك مشترك بين الدول المعنية بهذه الأزمة.
وقالت إن المعادلة الإنسانية في هذه القضية بسيطة ومأساوية في الوقت ذاته، حيث إنه في الفترة ذاتها من السنة الماضية أحصت المنظمة العالمية للهجرة وفاة 56 مهاجرا في البحر المتوسط، أما في هذه السنة، فقد قدرت المفوضية العليا لشؤون
اللاجئين، خلال تقرير صدر عنها يوم الثلاثاء الماضي، بأن 1776 شخصا اختفوا أثناء محاولتهم عبور البحر نحو أوروبا، وهو ما يشير إلى تضاعف عدد القتلى أكثر من ثلاثين مرة بين الفترتين.
وبحسب الصحيفة، فإن محدودية عدد الضحايا في السنة الماضية مردّه إلى إطلاق إيطاليا لعملية "ماري نستروم" التي تهدف لإنقاذ المهاجرين السريين حتى لو كانوا قرب السواحل الليبية، ولكن هذه العملية تم التخلي عنها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بسبب امتناع الدول الأوروبية عن المشاركة في تكاليفها لأنها -حسب رأي هذه الدول- تشجع المزيد من المهاجرين السريين على الإقدام على هذه المخاطرة.
وأضافت أنه منذ شهر تشرين الثاني/ أكتوبر أطلقت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "Frontex" عملية أخرى تحت تسمية "تريتون"، وهي تهدف إلى مراقبة الحدود البحرية الأوروبية، دون أن تكون لديها المؤهلات والتجهيزات اللازمة لإنقاذ المهاجرين.
ونقلت الصحيفة عن أوليفيي كلوشار، من الجمعية الأوروبية للمهاجرين، قوله إن "دول أوروبا مطالبة اليوم باتخاذ إجراءات تتناسب مع قيمها وسمعتها في العالم، على غرار عملية "ماري نستروم" التي أدى قرار إيقافها إلى وقوع كوارث إنسانية".
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن اللجنة الأوروبية اكتفت يوم الاثنين الماضي باقتراح مضاعفة الموارد الموضوعة على ذمة العملية "ترينتون"، وهو ما وصفه أوليفيي كلوشار بأنه غير كاف، لأنها، حسب رأيه، مطالبة بتطبيق قرار كانت قد صوتت عليه في 20 تموز/ يوليو 2001 على هامش حرب كوسوفو، ينص على تقديم الحماية المؤقتة للمهاجرين حتى في حالة تدفقهم بأعداد كبيرة، مع تقسيم الأعباء المادية لهذه العملية على الدول الأعضاء، وهو قرار بقي حبرا على الورق إلى الآن.
كما أفادت الصحيفة بأن ليبيا التي تعاني من الانقسام، بين حكومتين إحداهما في طرابلس، وأخرى في طبرق، تعد مثالا على "الدولة المنهارة"، ورجحت أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة عبر وسيطها، الدبلوماسي الإسباني ليون برنادينو، لا يبدو الحل السياسي قريبا، وحالة الفوضى مرشحة للتفاقم، خاصة مع تقدم تنظيم الدولة وتعدد تحركاته وعملياته، وهي كلها عوامل تحد من الخيارات المطروحة أمام أوروبا لمواجهة أزمة المهاجرين المنطلقين من السواحل الليبية.
ونقلت في هذا السياق تصريحات ماتيو رينزي التي قال فيها إنه يفكر في شن هجمات مركزة تستهدف شبكات الهجرة السرية، ولكنه أكد في الوقت ذاته على أن التدخل العسكري في ليبيا ليس مطروحا في الوقت الحاضر، واستبعد إمكانية فرض حصار بحري قرب ليبيا، لأن ذلك سيكون - حسب رينزي- بمثابة هدية لعصابات تهريب المهاجرين، حيث إن السفن الحربية الأوروبية ستكون مجبرة على انتشال المهاجرين على بعد أميال قليلة من التراب الليبي".
وقالت الصحيفة إن العديد من الأطراف الأوروبية تقترح تدمير القوارب التي تستعملها عصابات تهريب البشر، باستعمال طائرات دون طيار، كما أنها تؤكد على تعاون دول المنطقة في هذه القضية، من خلال عمل القوات الفرنسية المتمركزة في مالي والنيجر، على إيقاف تدفق الراغبين بالهجرة من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر ليبيا.
كما أوردت الصحيفة أن اتفاقية دبلن الموقعة في سنة 2003 تنص على أن "طالبي اللجوء مدعوون لتقديم طلباتهم لدى "بلدان الواجهة" التي تكون أول من يستقبل المهاجرين"، وهو ما أدى لزيادة الضغط على هذه الدول، وخاصة اليونان التي تستقبل 90 في المئة من المهاجرين غير الشرعيين.
وعلى ضوء هذه الملاحظات، اقترحت اللجنة الأوروبية، في سنة 2008، إدخال تنقيحات على اتفاقية دبلن، للسماح للمهاجرين بالحصول على اللجوء في بلدان أوروبية أخرى غير "بلدان الواجهة" في حالة وجود أقارب لهم أو فرص اندماج جيدة في تلك الدول، ما يمكن من تخفيف الضغط على البلدان التي تعرف تدفقا كبيرا للمهاجرين.
ولكن هذا المقترح بقي معطلان بسبب التعقيدات القانونية والخلافات بين الدول الأوروبية، إلى أن تمت في سنة 2013 الموافقة عليه وإدخال تعديلات على اتفاقية دبلن.
وقالت الصحيفة إنه على إثر كل مأساة تحدث في المتوسط، يتهم النشطاء والمعارضون الأوروبيون الحكومات بافتقادها لسياسة واضحة في ملف الهجرة، لأن إجراءات تخفيف القيود على منح تصاريح الإقامة، وزيادة عدد المقبولين في اتفاقيات الهجرة المنظمة، لا تثني العدد الكبير من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات أمنية واقتصادية عن السعي للهجرة نحو أوروبا بكل الطرق، حتى لو كان ذلك يشكل خطرا كبيرا على حياتهم.