كتاب عربي 21

عن انتخابات جامعات الضفة وانتصار حماس

1300x600
شهدت الأيام الماضية انتخابات طلابية في عدة جامعات في الضفّة الغربية، وكان ملفتاً في هذه الانتخابات أنّها حظيت بتغطية ومتابعة إعلامية – وخاصّة على شبكات التواصل – غير عادية، وكان واضحاً أيضاً أن الانتخابات رافقتها حملات انتخابية وأنشطة نوعية للكتل المتنافسة.

نتائج هذه الانتخابات كانت مفاجئة للجميع؛ فقد شهدت انتخابات كلية البولتكنيك –الخليل تقدماً نوعياً للكتلة الإسلامية؛ إذ حصلت على 15 مقعداً بالتساوي مع تجمع كتلة الشبيبة (الفتحاوية) وبعض اليسار، فيما حصلت كتلة القطب الديمقراطي التابعة للجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية على مقعد واحد! وهي نتيجة لم تحققها الكتلة الإسلامية منذ عام 2007.

كما اكتسحت كتلة الوفاء الإسلامية الإطار الطلابي لحركة حماس في جامعة بيرزيت انتخابات مجلس طلبة الجامعة بحصولها على (3400 صوتاً) بواقع 26 مقعداً، بينما حصلت كتلة الشهيد ياسر عرفات ممثلة حركة فتح ( 2545 صوتاً ) بواقع 19 مقعداً، في حين حصل كل من القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي على (695 صوتاً) بواقع 5 مقاعد، وتحالف بيرزيت الطلابي (147 صوتاً) بواقع مقعد واحد.

أمام هذه الانتخابات ونتائجها يمكن تسجيل الملاحظات والوقفات التالية:

1. يُسجّل بفخر للشعب الفلسطينيّ عموماً، وشبابه تحديداً، حيويّته وفعاليّته وإيجابيّته وتغلّبه على كلّ ما يدفع للإحباط؛ فبالرغم من قسوة الظروف المحلية معيشياً وسياسياً، وبالرغم من المشهد القاتم في المحيط العربيّ حوله والمليء بالموت والدمار والظلم والبراميل المتفجرة... بالرغم من كل ذلك تراه يشهد حراكاً انتخابياً ديمقراطياً حقيقياً نوعياً  لأهم شريحة في المجتمع.

2. الحملات الانتخابية للكتل المتنافسة تميزّت بقدر عالٍ من "الحرفية"، سواء في طرح البرامج، أم في التقيّنات الدعائية وصناعة الصورة ووسائلها. كما أظهرت جرأةً كبيرة في طرح "الرأي" وتَقبّل "الرأي الأخر" والردّ عليه بكامل الشفافية، بل وبروح مفعمة بالدعابة والفكاهة في كثير من الأحيان، (مثل مقاطع الفيديو التي انتشرت وتظهر جانباً من المناظرات الممتعة في جامعة بير زيت) .. وهذا مؤشر على استعداد "المجتمع" للتعايش مع الاختلاف وإدارته بطريقة "مقبولة"، رغم ما يمارس على هذا المجتمع من بطش أمنيّ من الاحتلال والسلطة معاً.

3. التقدّم الكبير للكتلة الإسلامية (التي تمثّل حماس)، يجب التوقّف عنده ملياً؛ فهو يؤكد معان كثيرة جداً، أهمّها:

- إنَّ الشعب الذي مثلته هذه الشريحة الشبابية النوعيىة الواعية، قد أظهر بوضوح انحيازه لبرنامج المقاومة؛ البرنامج المحارَب من السلطة والاحتلال والمخابرات الأمريكية وبعض المخابرات العربية!! ويأسه من البرنامج الآخر، المدعوم من كل أولئك، والموَفّر له كلّ أدوات النجّاح؛ فهو برنامج السلطة الحاكمة بكلّ نفوذها وإمكاناتها.

- وهذا يعني فيما يعني؛ أنّ الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني لم تُشوّه بوصلتُه ولم تنحرف عن مشروعه الوطني، برغم المليارات التي أُنفِقت لتطويعه – ترغيباً وترهيباً وإفساداً -  نحو برنامج ينافي "فطرته" الوطنية!

- وعليه فإنّ على الجميع، وأخص بالذّكر رعاة البرنامج الآخر وأدواته أن يقفوا مليّاً، ويراجعوا أنفسهم في المسار والمسيرة التي ينتهجونها، وأن يوفّروا على أنفسهم وعلى هذا الشعب الحرّ الوقت والجهود والموارد والمليارات التي تنفق لحرفة على "قِبلته" في "مقاومة" الاحتلال، لأنهم لن ينجحوا مطلقاً، حتى لو زُيّنَ لهم طيفُ نجاح هنا أو إنجاز هناك.

4. في المقابل، لابد من التأكيد للفرحين – ولهم الحقّ بفرحهم - بهذا الإنجاز من شباب الكتلة الإسلامية وأنصارها في الداخل والخارج، أنّ هذه الانتخابات ليست غزوة "بدر" الفاصلة بين الكفر والإيمان!! إنّما هي تنافسٌ سياسيٌّ بحت بين برنامجين، كما أنّها محطة من محطات هذا التنافس وليس النهاية؛ فمتى تتحقق القناعة الشعبية الكاملة والشرعية التامّة لبرنامج المقاومة، هناك عمل نوعي كثير وكبير.

كما أنّها أيضاً ليست معركة "حطين" أو "عين جالوت" التي أعادت فلسطين من مغتصبيها، فالحراك والمعارك من المغتصبين المحتلين مشوارها طويل وصعب وشاق!!

5. أزعجني جداً التحليل "التبسيطي" لدى بعض المتحمّسين من أنصار الكتلة الإسلامية، الذي يروّج أنّ وقوف الطالبة لينة هلسة "غير المحجّبة" مع الكتلة الإسلامية كان سبباً رئيسياً للفوز؛ الحقيقة أنّ أقلّ ما يقال في هذا التحليل أنّه يسيء للشعب الفلسطيني عموماً وللكتلة الإسلامية والمحجبات ولذات الطالبة، وفيه من التسفيه والتسطيح الشيء الكثير. فلم يكن يوماً الحجاب أو عدمه عاملاً مهمّا أيّاً كان المكان الذي تقف فيه الطالبة!

6. انتهى يوم الانتخابات وظهرت النتائج وبدأ يومٌ جديد، أدعو وأتمنّى من الشباب الذين لم يحالفهم الحظ (ومن وراءهم!) أن يتقبّلوا النتيجة، ويضيفوا لسجلهم وسجل هذا الشعب ملمحاً حضارياً ومدنياً بهذا القبول، وأن يبدؤوا حواراً داخلياً في مراجعة برنامجهم ومشروعهم. وأدعو شباب الكتلة الإسلامية الذين حازوا على ثقة زملائهم، أن يبدؤوا منذ اليوم الأول بتطبيق ما وعدوهم به من إنجازات وطموحات، وأنْ يجعلوا من الجامعات الفلسطينية تحت رايتهم منارات للعلم والعمل والتعايش، وخدمة متميّزة لزملائهم الطلبة فيما يحتاجونه بأطيافهم كافة.

هذا هو الإنجاز الحقيقي وليس رفع الرايات – على أهميته – فقط!!

7. - على جامعاتنا وكتلنا الطلابية في غزة أنْ تُفعِّل الانتخابات فيها؛ فحتى لو كانت الجامعات فيها محسومة فصائلياً كما يقول المتابعون للنشاط الانتخابي هناك؛ فلا بدّ من تكريس الحالة الديمقراطية حتى داخل الكتل نفسها! حتى تصبح الديمقراطية والانتخابات وما يرافقها من حراك فكري وبرامجي ثقافة شعبية عامّة.

آخر الكلام:
الحلم؛ أنْ تتحوّل البرامج الانتخابية في جميع المنافسات إلى برامج خدمية، تتنافس فيها الأطياف على التميّز في خدمة الشعب، وتضمر البرامج السياسية.