على صهوة جبل، بالقرب من بلدة عجة إلى الجنوب من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، يمضي
الفلسطيني فتحي حيدارية، يومه برفقة نحو 80 عاملا فلسطينيا، بين ألسنة النيران ودخانها، لصناعة "
الفريكة"، وهي أكلة شعبية تعد واحدة من أهم وأقدم الصناعات الفلسطينية التقليدية.
حيدارية (40 عاما) يقول: "منذ نحو 20 عاما أعمل في صناعة الفريكة، التي تعد مهنة توارثناها عن آبائنا وأجدادنا".
ويقول الفلسطيني "أعيل أسرتي المكونة من 12 فردا من هذا العمل"، لافتا إلى أنه يعمل في تسويق المنتج بعد عملية التصنيع على مدار العام.
وعن صناعة الفريكة، يضيف حيدارية "منذ ساعات الفجر الأولى نبدأ بنثر سنابل القمح على البيدر، ونتركها لنحو ساعتين تحت أشعة الشمس، ثم تبدأ عملية الشواء".
ويستخدم في شواء القمح غير الناضج، النيران المنبعثة من ألسنة خراطيم موصلة بعبوات غاز، تقلب خلالها "سنابل القمح" ليصبح مشويا.
بينما يسلط حيدارية النيران تجاه القمح، يعمل الشاب عبد الكريم خليفة 18 عاما، بتقليب القمح بواسطة أدوات خاصة.
يقول خليفة "أعمل منذ نحو عامين بالفريكة، التي تعد فرصة لكسب الرزق في مثل هذا العام من كل سنة".
ويضيف "أنا طالب بالثانوية العامة، أعمل بهذا الموسم عدة أيام، وأعشق هذه المهنة".
وعادة ما يستمر موسم الفريكة نحو 40 يوما من كل عام بين قطف وشواء، بينما يأخذ أوقاتا أخرى في عمليات التجفيف والتنقية والتغليف حتى يصبح بين أيادي الجمهور.
ويأمل الفلسطينيون هذا العام خيرا، بسبب هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال الشتاء الماضي.
وبينما يعمل العمال المقسمون فرقا، على شواء القمح، يقوم آخرون على جمعه بعد الحرق ونقله عبر عربات يدوية قبل عملية فرز آلية، تعمل على فرز الحبوب عن الشوائب، وتعبئتها بأكياس خاصة ونقلها عبر عربات لمصانع خاصة للتنقية والتغليف.
جزء من المنتج يسوق يوميا، حيث يؤكل طريا مشويا، دون طهي.
لا يمكن لزائر "البيدر" التعرف على شخصيات العاملين التي اختفت معالم وجوههم وكفوفهم بعد أن اكتست بلون الشحبار الأسود.
يقول رائد زغلول، 42 عاما، بينما يواصل عملية فرز الحبوب عن الشوائب عبر عملية آلية "المثل يقول خبي (اختزن) قرشك الأبيض ليومك الأسود، هنا العكس، خبي قرشك الأسود ليومك الأبيض"، في إشارة إلى الحالة التي يبدو فيها العمال نتيجة العمل المتواصل وسط النيران.
ويضيف: "من هذا العمل سنحج بيت الله الحرام، ونربي أبناءنا ونطعمهم، ونكسوهم".
غالبية العمال، هم إما موظفين حكوميين أو طلبة جامعات وخريجين، يعملون لأسابيع بموسم "الفريكة" لكسب دخل جديد موسمي.
ومنذ 30 عاما وزغلول يعمل في صناعة الفريكة، حيث يقول "كان عمري 12 عاما عندما بدأت بمساعدة والدي بهذه المهنة، وما زلت أمارسها حتى يومنا".
ويعمل زغلول عاملا في البناء، وفي موسم الفريكة يترك عمله ليلتحق إلى العشرات الذين يصنعون الفريكة.
ورغم ما يعانيه العمال من ساعات طويلة في العمل، ومن تكبد متاعب وتلوث، إلا أنهم يرون في هذه المهنة، متعة خاصة.
تظهر بسماتهم رغم سواد وجوهم، يتبادلون النكات، ويصدحون بأغان شعبية.
إيهاب شحادة (35 عاما)، يعمل لديه نحو 20 عامل بصناعة الفريكة، يقول: "الفريكة أكلة متوارثة كما صناعتها، تتواجد في كل بيت فلسطيني، وبالمطاعم والفنادق".
ويتابع "أسوق المنتج في السوق الفلسطيني، وغالبيته لمصنع خاص لتعبئة الفريكة، وبيعها مغلفة بعد تنشيفها وتنقيتها من الشوائب".
ويقطف الصانعون سنابل قمحهم غير الناضج من سهل جنين الذي يعد امتداد لمرج بن عامر اكبر سهول فلسطين التاريخية.
وكان الفلسطينيون يستخدمون طرقا بدائية في حرق وشواء القمح، بواسطة الأعشاب والحطب، في حين يستخدمون اليوم غاز الطهي، بحسب شحادة.
وتستخدم الفريكة كطعام يقدم مع حساء، وكوجبة رئيسية على مائدة الإفطار بشهر رمضان.
والفريكة منتج ينتج في بلاد الشام (فلسطين والأردن وسوريا ولبنان)، والعراق ومصر وتركيا، ولا يوجد لدى وزارة الزراعة الفلسطينية أي إحصائيات حول كمية الإنتاج السنوية.