عجيب أمر
النساء، إذ إن البيضاوات منهن يعرضن أنفسهن للأشعة فوق البمبية التي تسبب الإسهال والسرطان، لاكتساب السمرة، وإذا تقدم شخص مثلي تتوفر لديه السمرة بكميات تجارية، ولديه فائض منها للتصدير، طالبا يد إحداهن (ما هذا التعبير الأبله؟ الراغب في الزواج يطلب الفتاة كاملة، بل إن يدها هي آخر ما يريد، وسألت معلمة في إحدى مدارس البنات الابتدائية تلميذاتها، وهي تهدف إلى أن تغرس فيهن القيم الرفيعة: إذا أدخلت يدي في جيب رجل، وسرقت حافظة نقوده فماذا أكون: أجبن عليها بالإجماع: تكونين زوجته)، المهم إذا طلبت الزواج من بيضاء، صرخت حتى يجتمع حولي أهلها وجيرانها، ويوسعونني ضربا، لأنني خدشت بطلبي ذاك حياءها وربما شرفها، أما السمراوات فأمرهن أعجب، لأنهن من يعطين البيضاوات الإحساس بالتفوق والتفرد، وذلك بعد أن ركبهن هوس اكتساب اللون الفاتح، فأصبحت تجد فتاة ذات وجه حنطاوي، وذراع كعود الأبنوس، وكلها على بعضها كقرد من مدغشقر.
ما البأس في أن يكون الإنسان أسود وأسمر اللون؟ جميع الرجال عندنا في السودان سود ومتزوجون بسمراوات وسوداوات، وأنجبوا منهن أطفالا عاديين ألوانهم مثل الزفت، وعقولهم تزن بلادا بحالها وأحوالها، ولكن الإجابة معروفة: نحن عنصريون حتى النخاع، ولكننا لا نصرح بذلك لأن التصريح يحرمنا من حق سب أمريكا وأوروبا، ووصمها بالعنصرية.
حتى في السودان الذي اشتق اسمه من السواد، يمارس البعض التمييز ضد ذوي الأصول الأفريقية البحتة، وعرب شرق المتوسط يسمون الفول السوداني فستق العبيد والمقصود بـ"العبيد" عموم الأفارقة الذين ينتجون ذلك النوع من الحبوب الزيتية.
وعلى المستوى الشخصي فقد تعرضت لإساءة عنصرية أتتني من امرأة مناضلة تدافع عن حقوق المرأة، فهمت كلاما لي عن النساء فهما مغلوطا، ولم يستوعب عقلها القاصر، أنني كنت في واقع الأمر أقول للنساء إنه ليس ما يدعوهن للمطالبة بالمساواة بالرجل العربي لأنه غلبان و"ما يسوى شي وشوارب على الفاضي"، فخاطبتني برسالة إلكترونية استهلتها ببيت من الشعر الرصين:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه ** إن العبيد لأنجاس مناكيد
وبما أنني ذلك العبد فقد أصبت بخيبة أمل لأنني كنت أعول على دفاع مثيلاتها وأمثالها عن حقوقي، لأن حقوق الأقليات المضطهدة كل لا يتجزأ، يعني لا يجوز أن تدافع عن حقوق السود في أمريكا أو أهل دارفور أو سوريا، وتهلل للفتك بالإنسان في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفات على تلك البائسة أنني لا أفتأ أذكر القراء بسواد لوني وحظي، الذي جعلني فريسة لأطماع نايوومي –وليس نعومي- كامبل العاطفية، ولا أفوت فرصة دون تأكيد اعتزازي بالانحدار من صلب عنترة بن زبيبة، فارس بني عبس، واعتزامي مخاطبة السلطات المصرية للاعتراف بي وريثا لكافور الإخشيدي، على أمل أن تقوم بمنحي مكافأته لنهاية خدماته منزلا في منتجع شرم الشيخ.
والله لم أغضب من رسالة تلك البلهاء، فأنا وهي عبيد في نظر سادة العالم المعاصر، وفي لندن التي يعتبرها بعض العرب محجا، كثيرا ما يكون القطار مزدحما والخلق لا تجد مكانا تقف عليه، ويبقى الكرسي المجاور لي خاليا لأن الجماعة يخشون أن أكون من آكلة لحوم البشر (في أول الخمسينات عندما كان الأوروبيون لا يعرفون الكثير عن الأفارقةـ سافر ديبلوماسي أفريقي إلى بريطانيا لإقامة أول ممثلية ديبلوماسية لبلاده هناك، على متن سفينة، وكان بقية الركاب يتجنبونه ويفزعون إذا اقترب منهم، وفي أول يوم دخل فيه مطعم السفينة قدموا له قائمة المأكولات فنظر إلى الجرسون مبتسما وقال له: أعطني قائمة المسافرين)
وحقنا للدماء وإظهارا لحسن النية تجاه المناضلة المذكورة أعلاه فإنني أعلن عن استعدادي للإسهام العقلاني في دعم حقوق النساء المتطلعات إلى
الجمال، اللواتي ينفقن الملايين لتكبير شفاههن بحقنها بمواد كيميائية.
فالمعروف أن الأفريقي يملك شفتين تزنان ما بين أربعة إلى ستة كيلوغرامات مربعة في المتوسط، وطالما أنه لا يمانع في بيع إحدى كليتيه لإعالة أطفاله، فما من بأس في أن يبيع لي شفتيه اللتين لا يستطيع استخدامهما للكلام أو الأكل، فأقوم بتصدير الشفاه إلى الراغبات في امتلاك شفاه تتيح لهن ممارسة البوس بالجملة، ويصلح هذا العرض لمذيعات التلفزيون والممثلات والمطربات العربيات السخيات في توزيع البوسات، فبوسة واحدة بشفتين أفريقيتين تكفي نحو الف معجب صب، ولأنني أريد أن أنفي عن نفسي تهمة معاداة المرأة تفاديا لمصادرة حريتي، فأنني أتطوع بإفادة تلك الشريحة من النساء الباحثات عن الجمال في غرف العمليات الجراحية بأن تحقيقا نشرته مجلة مصرية يقول: إن السلطات الطبية المصرية أغلقت مؤخرا نحو 23 مركزا وشركة للتجميل بعد أن اتضح أن الاختصاصيين في بعضها كانوا يحملون درجات جامعية رفيعة في الجمباز والتربية البدنية، ويكفي إلقاء نظرة عابرة على نتائج أمة الأعاريب في الأولمبياد الأخيرة لنكتشف حجم خيبة الرياضيين العرب في مجال تخصصهم، فما بالك إذا أتوا بتلك الخيبة إلى ميدان تكبير وتصغير النهود وتكوير الأرداف..
ويا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.