عرفت منطقة الحوض المنجمي (قرابة 400 كم جنوب العاصمة
تونس) مؤخرا احتجاجات شعبية واسعة أدت إلى توقف إنتاج مادة
الفوسفات في مرحلة أولى، ثم توقف كافة المنشآت الصناعية التي تعتمد الفوسفات المستخرج كمادة أولية.
احتجاجات لم تكن الأولى في هذه المنطقة، حيث كانت سباقة في محاولات الانتفاض على نظام زين العابدين بن علي سنة 2008، وتواصلت التحركات الاجتماعية المطالبة بالتشغيل والعدالة الاجتماعية بعد الثورة، ليشهد إنتاج الفوسفات اضطرابات عديدة انتهت منذ أسابيع بالتوقف التام.
ورغم تأخر تعاطيها مع هذا الوضع الحرج، خاصة وأن انتاج الفوسفات يعد ركيزة هامة من ركائز
الاقتصاد التونسي، بادرت الحكومة التونسية إلى تخصيص لجنة وزارية مصغر لدراسة مطالب أبناء المنطقة، لتخلص الجمعة الماضي لجملة من القرارات توزعت بين البيئي والثقافي والاجتماعي.
وقد انتقلت "
عربي 21" إلى محافظة
قفصة لرصد تفاعل الأهالي وبعض المسؤولين مع هذه القرارات.
في "المظيلة" يتواصل الاحتقان
لم تتخلص مدينة المظيلة من غضبها، ويبدو أن القرارات الحكومية كانت دون المأمول بالنسبة للشباب المعتصم المطالب بالتشغيل.
ففي لقائهم مع "
عربي 21"، قال المعتصمون إن قرارات الحكومة هي اجترار لقرارات الحكومات السابقة، التي لم يتم تنفيذها. ورأى المعتصمون أن المجلس الوزاري لم يول مسألة التشغيل الاهتمام اللازم، وأن مطالبهم واضحة، فيما رأوا في المقابل، أن قرارات من قبيل "بناء دور شباب"، أو تهيئة بعض الأحياء، هي إجراءات للتسويق و"ذر للرماد في العيون"، على حد تعبيرهم.
وفي السياق ذاته، قرر الاتحاد المحلي للشغل في المدينة، صبيحة الإثنين، تنفيذ
إضراب عام تتبعه مسيرة يوم الأربعاء القادم.
وجاء في إعلان الإضراب، التي تلقت "
عربي21" نسخة منها، أن هذا الإضراب يأتي دعما لأهالي المنطقة إثر القرارات "المخزية"، التي لم ترق إلى تطلعاتهم، وفق ما جاء في نص الإعلان.
وضع كارثي لشركة فوسفات قفصة
وحول وضع شركة فوسفات قفصة بعد هذا التوقف القياسي في الإنتاج، التقت "
عربي21" رئيس ودادية الإطارات العليا بالشركة، أسامة منصري، الذي صرّح بأن الشركة تتجه للإفلاس، باعتبار أن موارد السنوات الماضية التي حققتها الشركة شارفت على النفاد بالنظر إلى تراجع الإنتاج وارتفاع النفقات.
وقال منصري إن وضع الشركة ليس معزولا عن محيطها، في إشارة إلى المعمل الكيميائي وشركة السكك الحديدية التي ترتكز نشاطاتها على إنتاج الفوسفات، وأوضح أن إيجاد حل للأزمة التي تعيشها مدن الحوض المنجمي لم يعد خيارا اليوم.
وقال رئيس ودادية الإطارات بأنه يتضامن مع المعتصمين في مطالبهم بالتشغيل، إلا أنه لا يوافقهم في طريقة المطالبة التي عطلت الشركة ومرافقها، ما يسبب خسائر طائلة.
واعتبر أن شركة فوسفات قفصة آن لها لأن تعود لدورها الطبيعي كشركة إنتاج، وأن المهام التنموية والبيئية يجب أن تعود للدولة التي غابت عن هذه المنطقة لمدة تزيد عن نصف قرن.
وحول رفض أهالي المنطقة قرارات المجلس الوزاري، قال منصري إن هذا يعود لتراجع الثقة بين الدولة والمواطنين، ودعا مكونات المجتمع المدني في المنطقة لتشكيل لجنة متابعة لمراقبة التزام الحكومة بما قطعته من عهود.
تحذيرات من التدخل الأمني
وفي تصريح لصحيفة "الصريح" التونسية الأحد الماضي، قال النائب المستقل عن ولاية قفصة عدنان الحاجي إنه، وبعد قرار الحكومة القاضي بالاستئناف الفوري لنشاط قطاع الفوسفات، يتوقع مزيدا من الاحتقان و التعقيد في الأوضاع بالجهة.
واعتبر الحاجي أن الحكومة هي المسؤول الوحيد في حال محاولتها التدخل الأمني لفض الاعتصامات، مضيفا أن الحل للمعتصمين والأهالي الغاضبين لم يكن ليكلف الحكومة أكثر من كلفة غلق نشاط شركة فوسفات قفصة.
و أشار النائب الى أنه لا ينفع مع الشعب انتهاج سياسة لي الذراع، وأن العاقل من اتعظ بغيره، حسب تعبيره. وتابع بأنه يجب عدم نسيان ما تتمتع به المنطقة من ثروات هائلة حرم منها الأهالي لمدة 60 سنة كاملة، مع أن شركة فوسفات قفصة ساهمت في التنمية بكامل الجمهورية.
ورغم بحث المجلس الوزاري الذي تناول أزمة الحوض المنجمي 94 وعدا وقرارا لفائدة المنطقة، لم ينخفض منسوب التوتر في مدن محافظة قفصة، ولم يُستأنف بعد نشاط الفوسفات، لتتواصل معاناة الاقتصاد التونسي الذي يخسر مع كل يوم بلا إنتاج ملايين الدنانير التونسية.