نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" مقالا لديفيد غاردنر، حول احتلال
تنظيم الدولة لعاصمة محافظة الأنبار، التي تمتد من خارج بغداد وحتى الحدود الأردنية، وقال إن هذا يعد صفعة قوية للحكومة
العراقية، ويثير التساؤلات حول مستقبل العراق كدولة موحدة.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي اطلعت عليه "
عربي21": "قد تمكن هؤلاء الجهاديون السنة، الذين تم زرعهم في هيكل حزب البعث المنحل، من التحكم بالمداخل الغربية للعاصمة بغداد، وقد يتمكنون من تهديد محافظة كربلاء، التي تحتوي على أهم مدينتين تحتويان على مقدسات شيعية".
ويرى غاردنر أنه "بالرغم من تنحية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المدعوم أمريكيا وإيرانيا، والذي تسببت سياساته الطائفية بتنفير السنة، واستبداله بحيدر العبادي الأكثر انفتاحا على الآخر، وهو من حزب الدعوة ذاته، إلا أنه لم يقم بما فيه الكفاية على الأرض. والغارات الجوية الأمريكية تقيد الجهاديين السنة، ولكن لا يمكنها التعويض عن فراغ الدولة العرافية".
ويعتقد الكاتب أن المشهد تكرر، فكما حصل عندما دخل مقاتلو تنظيم الدولة من سوريا إلى العراق الصيف الماضي، واحتلوا الموصل ومناطق شاسعة في الشمال،تكررت الصورة وانهار الجيش العراقي في
الرمادي، وكان الجيش الأمريكي الذي احتل العراق عام 2003، وقام بإعادة بناء وتسليح الجيش العراقي بعد أن حل جيش صدام، ما تسبب في تمرد "الأقلية السنية التي جردت من السلطة".
ويشير غاردنر إلى أن "الدفع كان بأعداد أكبر من الجنود الأمريكيين بين عامي 2007-2009، بهدف استراداد الأنبار من تنظيم القاعدة، الذي قاد تمردا دمويا شنه ضد الأكثرية الشيعية".
وتجد الصحيفة أنه "مع هذا فقد هزم تنظيم القاعدة ليس على أيدي الجيش الأمريكي، ولكن على أيدي
مليشيات العشائر السنية، التي بدأت ثورة ضد خسارتها الثانية للسلطة العشائرية للجهاديين".
ويبين الكاتب أن القادة العسكريين الأمريكيين وظفوا تلك العشائر السنية نائبا عنهم في حربهم ضد تنظيم القاعدة، ولكن المالكي اعتبرهم خطرا على بقائه، دافعا بهم إلى أحضان تنظيم قاعدة جديد تجمع في سجون الاحتلال الأمريكي، وأعيد تشكيله أثناء الحرب الأهلية السورية على شكل تنظيم الدولة.
وتلفت الصحيفة إلى أن فساد حكومة المالكي وطائفيتها قد تسببا بإضعاف "الجيش الذي يدعى أنه مؤلف من 375 ألف فرد، حيث تتم سرقة رواتب فرق جيش خيالية، وتعيين جلاوزة لقيادة الجيش، وحرمانه من الإمدادات والأسلحة، والاعتماد بدلا من ذلك على المليشيات الشيعية التي دربتها
إيران، التي غرقت في الدماء خلال الحرب الطائفية في الفترة ما بين عامي 2006- 2009، وهذا ترك العراق دون إمكانيات وحتى دون حجة للدفاع عنه كونه دولة".
ويوضح غاردنر أنه "في شمال العراق عزز الأكراد من حكمهم الذاتي، ويشعرون بفرصة التنسيق مع أكراد سوريا عبر الحدود في المناطق الشمالية الشرقية لسوريا، وهناك صحوة سياسية بين أكراد تركيا، وهم مستعدون لقتال تنظيم الدولة لحماية مناطقهم. والشيعة وبالرغم من فتوى من مرجعهم الأكبر (آية الله العظمى علي السيستاني)، التي دعا فيها العراقيين القادرين إلى مقاومة تنظيم الدولة، إلا أنهم ظلوا مهتمين في الدفاع عن مناطقهم فقط من بغداد إلى جنوب العراق. أما العشائر السنية المستعدة لقتال تنظيم الدولة فلا يُقدم لها شيء لتقوم بذلك. وتنظيم الدولة يضم العديد من شخصيات البعث من عهد صدام، وهم يغذون رواية فقدان السنة للسلطة".
ويفيد المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن حكومة العبادي حاولت ضبط المليشيات الشيعية التي تخضع للحرس الثوري الإيراني. ففي هذه الساحة الضبابية والغادرة، كما في سوريا، حاول الحرس الثوري الإيراني تعويض النقص في القوة العسكرية لبشار الأسد في حربة ضد الأغلبية السنية، بإنشاء شبكة من المليشيات في أنحاء سوريا، وقامت إيران بإنشاء المليشيات الشيعية في سوريا لتكون العمود الفقري لحليفها في العراق، حيث اكتشفت الحكومة أن جيشها موجود على الورق فقط".
وتذكر الصحيفة أن "العبادي لا يسيطر على المليشيات، ويتردد لأسباب جيدة في استخدامها، فعندما سيطرت قوات بغداد على تكريت، كانت على رأسها تلك المليشيات، ولكن عندما دعا إلى ضربات جوية أمريكية وقفت هذه المليشيات جانبا، بينما قام الجيش النظامي بالقتال، ولكن هناك تقارير موثقة بأن القوات الشيعية قامت بعمليات انتقامية في المدينة ذات الأكثرية السنية".
ويخلص غاردنر إلى أنه "لذلك السبب كان العبادي مترددا في استخدام المليشيات الشيعية في الرمادي، وعندما أمر بتحركها فعل ذلك بناء على طلب من السلطات السنية في المنطقة، التي شعرت بقرب اجتياح التنظيم، ولكن كان ذلك متأخرا. وأن تكرر هذا كثيرا فسيكون الوقت متأخرا للعراق".