وصف مسؤول مخابراتي أمريكي إطاحة الجيش
المصري بالرئيس محمد مرسي من الحكم بأنه شيء طيب. وأكد نائب مدير وكالة
المخابرات المركزية "سي آي إيه" السابق، مايكل موريل، أنه "تلقى مكالمة هاتفية من سفير عربي كبير لدى الولايات المتحدة الأمريكية، في اليوم الذى تحرك فيه الجيش المصري ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي".
وردا على سؤال: "ما الذى تراه يا مايكل بشأن مصر؟"، قلت: "هذا شيء طيب. فقد كان مرسي يقود البلاد نحو الدمار، وإلى عدم الاستقرار، وإلى التطرف.. الآن لدى مصر الفرصة من جديد"، وفق قوله.
وأضاف: "قال لي السفير العربي: أجريت مكالمات هاتفية مماثلة هذا الصباح .. أنت أول من يقول إن هذا شيء طيب.. أنت على صواب".
الديمقراطية كما تراها واشنطن
وزعم موريل أنه "ليس كل بلد جاهزا للديمقراطية، وأن الديمقراطية ــلكي تعمل بكفاءةــ تعني ما هو أكثر من الانتخابات الحرة. فهناك جانب حرية تشكيل الأحزاب السياسية، والتنافس للحصول على التأييد السياسي، وأصوات الناخبين، وكذلك حرية التعبير، وإتاحة مصادر المعلومات المتعددة، والمؤسسات التي تحدد أفضليات الناخبين كما يعبر عنها في الانتخابات وتنفذها".
وأضاف أن فرض الديمقراطية بالقوة على بلدان ليس لديها تلك الصفات، ولا يمكنها خلقها بسرعة، هي وصفة لعدم الاستقرار، وتؤدي إلى مجموعة من النتائج غير المحببة للمصالح الأمنية الأمريكية". واتخذ غزة كمثال، مشيرا إلى أن الناخبين اختاروا "جماعة إرهابية"، لقيادتهم، على حد زعمه.
رؤية الإدارة الأمريكية لليبيا
وأوضح موريل -في كتابه: "الحرب الكبرى في عصرنا"- رؤية الإدارة الأمريكية لليبيا إبان حكم العقيد معمر
القذافي، والفترة التي تلته، مؤكدا أن مشكلة واشنطن مع القذافي تمثلت في انعدام القدرة على التعامل معه.
وأضاف: "القذافي عرض التخلص طوعا من أسلحة الدمار الشامل في 2003، والتقيناه سرا، وأبرمنا الاتفاق"، مضيفا أن الولايات المتحدة عاشت مع القذافي "نوعا مختلفا من النكسة.. حيث لم تكن المشكلة هي عدم الاستعداد للتعامل معه، وإنما انعدام القدرة على التعامل معه".
الأرقام خادعة.. وليبيا مهمة لنا
وفي كتابه الذى ترجمته صحيفة "الشروق" المصرية، ونشرت الحلقة الثانية منه الإثنين، قال موريل: "على السطح لم يكن يبدو أن ليبيا تحظى بقدر كبير من اهتمام المخابرات الأمريكية. فالبلد، رغم كبر حجمه، صحراء في المقام الأول. ومن ناحية عدد السكان، ليست ليبيا من بين المائة دولة الأولى في العالم".
وأضاف: "الأرقام وحدها قد تكون خادعة. فخلال سنوات عملي الـ33 في الوكالة، كانت ليبيا تتطلب قسطا كبيرا من اهتمامنا. وكان معظم ذلك التركيز يمكن إرجاعه إلى واحد فقط من سكانها الـ6 ملايين، وهو معمر القذافي".
ورأي نائب رئيس "سي آي إيه" السابق، أن "القذافي جعل نفسه منبوذا دوليا بالمسار الذي اختاره لدولته، فقال: "السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية، وممارسة الإرهاب كأداة لإدارة الدولة، وشمل ذلك تفجير طائرة (بان أمريكان 103) فوق لوكربي بإسكتلندا عام 1988، وهو عمل إرهابي أودى بحياة 259 شخصا على متنها و11 شخصا على الأرض".
القذافي عرض التخلص الطوعي من أسلحته
ووفق موريل، حدث تغير في العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا في أوائل عام 2003، عندما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يشرعون في غزو العراق، "إذ اتصلت الحكومة الليبية بنظرائنا البريطانيين، عارضة إمكان مناقشة تخلص ليبيا الطوعي من أسلحة الدمار الشامل. وبالفعل التقى مسؤلو "سي آي إيه"، والمخابرات البريطانية، سرا مع القذافي، واتفقوا على التخلص من أسلحة الدمار الشامل دون إطلاق رصاصة واحدة".
وما إن أبرم هذا الاتفاق، حتى بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها "استئناف حرج" للعلاقات مع ليبيا، بعد أن غلفها التوتر لسنوات، على حد قول موريل، الذى أضاف: "بحلول عام 2006، أعادت الولايات المتحدة، العلاقات الدبلوماسية، وأرسلت سفيرا إلى طرابلس، لأول مرة منذ 27 عاما".
وأوضح الكاتب أن "الولايات المتحدة لم تكن لديها أوهام بشأن الطابع القاسي السلطوي للنظام الذي يقوده (الأخ القائد) كما كان يحب القذافي أن يُنادَى، إلا أنها كانت على قدر أكبر من الاستعداد للعمل مع هذا النظام، في أعقاب 11 أيلول/ سبتمبر؛ إذا كان سيساعد في جهود منع الهجمات (الإرهابية) وهزيمة القاعدة، وما على شاكلتها من تنظيمات".
وعدد موريل الأسباب التي دفعت القذافي للتعاون مع الولايات المتحدة، وأهمها أن القاعدة كانت تريد الإطاحة بالأنظمة العربية العلمانية، فكان "القذافي يكره القاعدة، ويخشاها بقدر كراهيته للولايات المتحدة، وخشيته منها، وبما أن عددا من كبار القادة في تنظيم أسامة بن لادن من الليبيين، فقد كانت مساعدته مفيدة إلى حد كبير".
وأوضح أنه على الرغم من غرابة الليبيين، إلا أن مبدأ "عدو عدوي صديقي" فرض على الأمريكان العمل معهم.
التعاون المخابراتي قبل الثورة الليبية
وتناول الكتاب تفاصيل الرحلة التي قام بها موريل إلى ليبيا في أواخر 2010، قبل أسابيع من الثورة الليبية.
وأوضح الكاتب أن نقطة اتصاله الأساسية في ليبيا، ومضيفه أثناء الزيارة، كان عبدالله السنوسي، رئيس الاستخبارات الداخلية في حكومة القذافي، مشيرا إلى أن "السنوسي كان معروفا بقسوته. وكان متورطا في تفجير الطائرة، ومذابح السجناء، وربما محاولة اغتيال القادة الأجانب"، إلا أنه كان "محاورا جذابا على نحو غريب".
وألمح الكاتب إلى أن التعاون المخابراتي بين أي بلدين يقوم بشكل كبير على العلاقات الشخصية والثقة، ومن هذا المنظور فقد آتت زيارته لليبيا أكلها بعدما خُلقت علاقة إنسانية وثقة متبادلة بينه وبين السنوسي، موضحا أنه غادر ليبيا بعلاقة أقوى بين المخابرات الأمريكية والليبية التي وصفها بالفعالة جدا، مشيرا إلى أنه أصبح في استطاعته الحصول على المعلومات عند رفع سماعة التليفون، والاتصال فقط.
أزمة عقب الثورة الليبية
ويوضح الكتاب الأزمة التي واجهتها واشنطن إبان اندلاع الثورة الليبية عام 2011، التي وقعت بعد فترة قصيرة من زيارته، قائلا: "بعد ما اندلعت الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن في مساحات شاسعة من ليبيا. اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية، في شهر شباط/ فبراير، قرارا بغلق السفارة الأمريكية بطرابلس مؤقتا مع إجلاء العاملين بها، وكذلك أي مواطنين أمريكيين يرغبون في الخروج".
وأوضح أن الطريقة الوحيدة لإخراجهم جميعا بسرعة كانت عن طريق عبارة توصلهم إلى مالطا. وجهزت الخارجية العبارة ـ وكذلك رحلة جوية لتخرج البقية القليلة الباقية ـ غير أنه كان لا يزال هناك قلق بشأن أمن الأمريكيين أثناء انتقالهم من السفارة إلى ميناء طرابلس، حيث كانت العبارة ترسو".
وقال موريل إن مسؤولي البيت الأبيض علموا بالعلاقة التي أقمتها مع السنوسي، فطلبوا منه الاتصال به، والسعي للحصول على مساعدته في ضمان السماح لموظفي الخارجية الأمريكية بالانسحاب بأمان. ومضى قائلا: "اتصلت بالسنوسي يوم 24 شباط/ فبراير، وطلبت منه توفير الأمن لدبلوماسيينا أثناء انتقالهم إلى الميناء. ووعدني بأنه سوف يضمن سلامتهم، وكان عند كلمته. إذ نجح نحو مائتي أمريكي من الرحيل دون وقوع حوادث".
قدما دعمنا عسكريا للمقاومة
وألمح موريل إلى أن سياسة الحكومة الأمريكية في ذلك الحين كانت تأييد أهداف المتمردين، مضيفا: "قدمنا لهم قدرا كبيرا من المساعدة منها أسلحة مميتة قصيرة المدى. وفي النهاية قُدم دعمنا عسكريا للمقاومة من خلال حلف (شمال الأطلسي) الناتو، وغيره من الحلفاء".
إطاحة مرسي وعلاقتها بالإرهاب
وكان موريل كشف في الفصول الأولى من كتابه أن الرئيس محمد مرسي لم يبد تجاوبا مع ضغوط واشنطن عليه من أجل إعلان الحرب على ما تصفه بـ"الإرهاب".
وأكد أنه برغم أن آليات مكافحة الإرهاب في مصر ظلت سليمة إلى حد كبير، لم تكن هناك إرادة سياسية (في عهد مرسي) لاستخدامها، إذ توقفت جهات الجيش والاستخبارات وتنفيذ القانون بشكل أساسي عن محاربة القاعدة، لأنها شعرت أنها لا تحظى بدعم سياسي كي تواصل عملها، وفق قوله.
ومضى قائلا: "لم تكن حكومة مرسي تفعل شيئا. وفي النهاية أرسل البيت الأبيض قيصر مكافحة الإرهاب جون برينان ليخبر مرسي أن "القاعدة" تتعافى بسرعة في مصر، وأن هدفها الأساسي هو قتل مرسي، والإطاحة بحكومته".