كتاب عربي 21

إيران.. اللاعب الأقوى في المنطقة

1300x600
عملت الدولة الإيرانية لسنوات طوال من أجل أن تكون دولة عظمى ولها ثقلها في الأحداث التي تجري بمحيطها، وبعد عقود قليلة من السعي الدؤوب، أتى سعيُها أُكُله، ولم يعد خافيا ما تحظى به الجمهورية الإسلامية من قوة ونفوذ.

بدأت إيران بالتمدد في الجوار الإقليمي بدعمها للحركة المقاومة "حزب الله" ضد الكيان الإسرائيلي في مطلع الثمانينيات، وكانت في تلك الأثناء تخوض حربا شرسة مع العراق، انتهت 1988، وكان الدعم غير مقتصر على حزب الله، بل امتد ليشمل حركات سنية فلسطينية أبرزهم حماس والجهاد الإسلامي.

كان الدور الذي تقوم به تلك الحركات المقاومة أشبه بحرب الوكالة عن طهران، ودخلت بعض الأنظمة السنية على الخط لأجل إحداث توازن في الداخل اللبناني بدعم الأحزاب السنية، التي هي أقرب للعدو منها لأقرانهم من الشيعة، ثم كان احتلال العراق بـ 2003، ليفتح الباب على مصراعيه للتدخل الإيراني بالبلد المحتل. 

والمفارقة أن إيران أعدى أعداء الولايات المتحدة أصبحت لاعبا أساسيا هناك بفضل الدولة المحتلة، سواء كان هذا الفضل مقصودا أم غير مقصود، في حين أن الدول السنية الصديقة للولايات المتحدة لم يكن لها دور في الشأن العراقي الجديد، ولا يمكن الجزم إذا كان ذلك جهلا من القيادات العربية أم أنه تحجيم أمريكي لهم.

الحاصل أن إيران أصبحت هي الأهم بالعراق، ولا يمكن لأحد أن يخطو هناك دون مشاركتها أو ربما إذنها في بعض الأحيان.

بعد تعاظم الدور الإيراني في لبنان ثم العراق، ومؤخرا تأثيرها في الشأن السوري -تواجدها بسوريا قديم- اتجهت الدول العربية في البداية إلى الانصياع للرغبة الأمريكية في محاصرة إيران وتقويض دورها، لكن الانصياع تحول إلى رغبة فعلية لهم بعد الدور الذي قامت به إيران في تلك الدول السابقة بالإضافة إلى للبحرين وأخيرا اليمن. 

والملاحظ أن إيران جعلت الشيعة مفتاح الدخول بكل قُطر، وخطر ذلك وحُمْقه يتبدى في الصراعات التي رفعت شعار الطائفية، وهي سياسية بالمقام الأول، وأسوأ النزاعات ما تعلق بالمذهب أو الطائفة، فالتراجع يكون في غاية الصعوبة، والدم فيها يصعب إيقافه.

في وقت سابق من الخلافات، عظّمت الولايات المتحدة من العداوة الإيرانية، وتبعها العرب، إلا أنها خففت من حدة موقفها الحالي مع تنامي العداوة العربية الإيرانية، والموقف الأمريكي تغير وفقا لتقديراتها، بخلاف المواقف العربية غير النابعة من التقديرات الذاتية لهم، بل هي خاضعة لتقديرات خارجية بالأساس.

خرج اتفاق لوزان، ومن بعده اجتماعات كامب ديفيد الأخيرة، لتقول علنا إن هناك تغييرا في العلاقات مع إيران، وأنها أصبحت بالفعل لاعبا أساسيا بالمنطقة، لكن التغيير ما زال يحتاج لتحديد اتجاهاته، هل سيتم التعاطي مع إيران باعتبار "تحول" مواقفها وتحول موقف الغرب منها؟ أم أنها ستجبر الجميع على مجرد "التعامل" معها باعتبارها فاعلا إقليميا دون تحول في اتجاهاتها؟

ناقش جيمس جيفري الفارق بين التحول والتعامل في ورقة تحليل لمعهد واشنطن، ملخص ما قاله: إن التحول يقتضي تغيرا في توجهات إيران وتغيرا في تصنيف الغرب لها، فتنتقل من دولة منبوذة لدولة مرحب بها تقوم بدور إيجابي بالمنطقة، وصورة تحولها يكون في عدم السعي نحو السلاح النووي، أو إثارة الاضطرابات في المنطقة، لكن التعامل يشبه ما تم مع الاتحاد السوفييتي دون أي تغير في العلاقات، وغايته تقييد قدرة إيران على تجاوز العتبة النووية مقابل تخفيف العقوبات.

ما تخشاه دول مجلس التعاون الخليجي أن ما سيحدث قد يرجئ توصل إيران لسلاح نووي على المدى القريب، لكنه لن يمنعها من السعي لبسط نفوذها ومحاصرة النفوذ العربي "السني" في المنطقة، لذا بدا السخط في مستوى التمثيل الدبلوماسي أثناء كامب ديفيد، فالولايات المتحدة تقوم بالتخلي عنهم لأجل مصالحها، ووجود قوة نووية بجوارهم يعني المزيد من بسط القوة والهيمنة.

العبث الذي تقوم به الولايات المتحدة أنها لطمأنة الدول من خطر التسليح النووي تقوم بزيادة تسليحهم بالمقابل، لتفتح سباقا للتسليح بدلا من غلقه، وتشير تقارير عدة إلى تفكير السعودية في الاتجاه نحو اقتناء السلاح النووي بدورها، رغم إعلان أوباما رفضه القاطع للفكرة.

ما يحدث في المنطقة من صراع محموم نحو التسلح والسعي لاكتساب مناطق نفوذ، بقدر ما يبدو شرسا في ظاهره، لكنه في حقيقته يمكن التعامل معه؛ فالسيطرة الإيرانية بالمذهب على تعدد الدول تعطي انطباعا بمحدودية التوسع الجغرافي لها، لكنه لا ينفي تعاظما لدورها الإقليمي، وإمكانية الاحتواء أن مجمل النزاعات الداخلية التي تثيرها إيران تحتاج للتعقل لا العدوان على المطالبين، فهناك مطالب داخلية للشيعة بتلك البلدان، ولا يتم احتواؤها، بل تعميقها بالإجراءات الأمنية.

ما تشهده المنطقة من توتر يفتح الباب أمام التعقل لكبح جماح النفوذ الإيراني، والتكامل كذلك بين الدول ذات المصالح المشتركة والعدو المشترك "الكيان الصهيوني"، ولم يعد ممكنا الاتكاء على الحليف الأمريكي، وتجاهل القوة المجاورة الواقفة على الأعتاب، فإيران لم تعد مجرد دولة مشاغبة فحسب.