نشرت صحيفة هافينغتون بوست في نسختها المغاربية مقالا باللغة الفرنسية حول الوضع الراهن في
تونس، والانقسامات الداخلية التي تعيشها البلاد، في ظل تعتيم إعلامي شبه تام على الموضوع.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه
"عربي21"، إن الترسانة الإعلامية التونسية تروج لبلاد كل شيء فيها يسير على ما يرام، وأن الحياة البرلمانية تتواصل دون عقبات، والمجتمع المدني يقوم بواجبه. فالإعلام يروج لتونس هادئة بعيدة عن الصخب الذي ميّز فترة حكم الترويكا.
وأفادت الصحيفة أن الإعلام التونسي يروّج لتونس الهادئة والمحبوبة التي تسعى لتجاوز مخلفات العمليات الإرهابية، من خلال حملة دعائية مدعّمة للسياحة بعنوان "سأكون في تونس هذا الصيف"، وريبورتاجات تصور ملذات العيش في تونس "الحديثة" وأشكال المرح في الأحياء الراقية.
ولكنها الصحيفة عادت لتؤكد أن مثل هذا التعتيم لا يمكن أن يغفل عنه الخبراء في التواصل والإعلام الذين لاحظوا المحاولات المتكررة لتغطية الأزمة التي تعيشها البلاد، بعد فرار الرئيس السابق بن علي في ظل لا مبالاة وسبات شبه عام.
وتؤكد الصحيفة أن تونس ليست على ما يرام، وخاصة على المستوى المؤسساتي، في ظل الغياب المتواصل لرئيس الوزراء ورغبته المتكررة في تقديم استقالته. وأشارت أيضا إلى التداخل في المسؤوليات الذي خول مستشارا لدى رئيس الدولة، مثل محسن مرزوق، صلاحية لتجاوز وزير الخارجية الطيب البكوش وتوقيع وثيقة رسمية إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
كما أشارت إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد
السبسي، وتصريحاته "التي غابت عنها الديبلوماسية والحنكة السياسية"، وفق قولها. ولفتت إلى انعدام هيبة الدولة نتيجة للأخطاء اللغوية للرئيس، وعدم تحريكه لساكن عندما تم اختطاف 127 تونسيا في ليبيا أو عندما تم قتل صحفيان تونسيان هناك.
وتحدث المقال عن عدم قدرة تونس على التواصل مع محيطها الإقليمي المباشر، الأمر الذي اضطر الأمم المتحدة إلى نقل مؤتمر الحوار الليبي الذي كان من المزمع عقده في تونس إلى المغرب، في ظل تعتيم إعلامي شديد من قبل كافة الأطراف.
وأوضحت أن الصمت الذي يخيم على الساحة السياسية بكافة أطرافها هو أمر غير عادي ولا يبشر بخير، خاصة وأنه يلي تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن تونس أصبحت حليفا مميزا لبلاده، خارج حلف الناتو، وذلك بهدف التعاون على المستوى العسكري وشراء الأسلحة.
وبحسب الصحيفة، فإن الوضع الأمني في البلاد في تدهور مستمر، خاصة وأن الجهاز الأمني ذا إمكانيات وخبرة متواضعة، ما مكن الإرهابيين من تجاوزه في عديد المناسبات. كما أشارت إلى أن الوضع الاقتصادي مثير للقلق أيضا.
وأشار المقال إلى أن التحالف بين النداء والنهضة وآفاق تونس، الذي تم من أجل توفير ظروف عيش أفضل للتونسيين، أصبح ذا انعكاسات سلبية كارثية، فيما حزب
نداء تونس، الذي قدم نفسه كخلف حديث للزعيم الحبيب بورقيبة، يعاني من انقسامات داخلية أثرت على مردوده.
وكتبت الصحيفة أن أسطورة الوحدة الوطنية، هذه الفكرة وريثة العهد السابق، قد اندثرت اليوم، لتترك مكانها لبلد مجزأ كل طرف فيه له طموحه الخاص، وأكدت أنه لا مجال للنهوض بتونس إلا بعد أخذ هذه الاختلافات بعين الاعتبار، واتخاذ الحوار سبيلا لتجاوز المأزق.
وفي الإطار ذاته، أكدت الصحيفة أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب وريثة الثورة وعديد الأطراف الأخرى، مثل الإسلام السياسي واليسار الإصلاحي والقوميين الليبراليين، وأن الاستراتيجية الجديدة للبلاد يجب أن تكون ذات طابع تحرري من القوى الخارجية والليبرالية المتوحشة والفكر المتصلب وذلك من أجل إنقاذ الحاضر والمستقبل، وفق قولها.