عندما يتعلق الأمر باستطلاعات الرأي في
تركيا، هناك الكثير من المؤسسات والشركات التي تقول إنّها متخصصة في إجراء
استطلاعات للرأي في البلاد.
ومع اقتراب أي استحقاق انتخابي في البلاد، تبدأ هذه المؤسسات حينها بالعمل بشكل حثيث، ويبدأ القارئ عندها بمتابعة سيل من الأرقام والنسب التي تنشر في وسائل الإعلام بشكل متواصل على مدى أشهر وحتى قبل أيام قليلة من بدء
الانتخابات.
وعلى الرغم من الكم الكبير لهذه المؤسسات، إلا أنّها نادرا ما تصيب في التوقّعات، وغالبا ما يكون الفارق في النتائج والنسب والأرقام التي يتم نشرها كبيرا إلى حد ما سواء فيما يتعلق بأرقام المؤسسات مقارنة مع بعضها البعض أو مقارنة بينها وبين النتائج الحقيقية، وهو ما يعكس وجود توجّه وموقف مسبق عند مثل هذه المؤسسات تجاه الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية بالإضافة إلى خلل في آلية احتساب النسب والأرقام.
أضف إلى ذلك أنّ مؤسسات استطلاع الرأي هذه لا تنشر عادة الطريقة التي اعتمتدها للوصول إلى النتائج، وهو ما يؤدي إلى التشكيك بمصداقيتها عند كثيرين، كما أإنّ البعض الآخر ينفي أن يكون قد نشر أو انّه سينشر نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها ولكننا لا نلبث أن نرى النتائج منشورة بشكل لا يتيح لنا التثبت إذا ما كان ذلك تزييفا أم حقيقة.
لكن من الملاحظ مؤخرا تركيز وسائل الإعلام المعارضة في البلاد (وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الوكالات والصحف الأجنبية الغربية التي كتبت عن الموضوع) على ترداد مقولة أنّ هناك انخفاضا واضحا في نسبة التأييد الشعبية لحزب
العدالة والتنمية. طبعا كمراقبين وفي ظل غياب استطلاعات رأي دقيقة، لا يمكن الوقوف على مدى صحّة على هذا الكلام إلا من خلال النتائج الرسمية.
لكن المثير للاهتمام أنّ دفع المتابع للتركيز على زيادة أو تراجع شعبية الحزب يهدف ربما للتشكيك المسبق بشرعيّة فوز حزب العدالة والتنمية، ويصرف انتباهه حقيقة عن السؤال الأساسي ألا وهو: هل سيستطيع حزب العدالة والتنمية تحقيق هدفه من هذه الاتنخابات في تعديل النظام السياسي للبلاد إلى نظام رئاسي؟ هل سيحصل حزب
الشعوب الديمقراطية على 10% من أصوات الناخبين ويتأهل إلى
البرلمان ويمنع بالتالي حزب العدالة والتنمية من تحقيق هدفه؟
في انتخابات عام 2002، حصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 34.4% من الأصوات، وفي انتخابات العام 2007 حصل على حوالي 46.6% من الأصوات، وفي انتخابات العام 2011 حصل على حوالي 49.8% من الأصوات ناهيك عن الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها المرشّح الذي كان ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية وهو رجب طيب
أردوغان على حوالي 51.8%، ومن الواضح أنّ هناك مسارا تصاعديا في النتائج.
بالنسبة إلى المسؤولين في حزب العدالة، هم واثقون بغض النظر عن النسبة أنّهم إذا لم يستطيعوا أن ينالوا ما يخوّلهم تعديل النظام السياسي في البلاد بشكل أوتوماتيكي دون الحاجة إلى مساعدة من أي طرف، فإن لديهم فرصة طرح تعديلات دستورية على الاستفتاء العام، وهذا يعني أنّهم يعتقدون بأنّهم قادرين في هذا السيناريو على تحقيق ما هو أقل من 367 مقعد ولكن أكثر من 330 مقعد من أصل 550 مجموع مقاعد البرلمان.
ما نعرفه حتى الآن هو أنّ حزب الشعب الجمهوري وحزب الأمّة القومي لن يلعبا دورا حاسما في هذه الانتخابات، كما أنّ النسب التي سيحصلان عليها ستظل في إطارها التقليدي. نعلم كذلك أن حزب العدالة والتنمية سيفوز في هذه الانتخابات لكن السؤال الأصعب على الإطلاق هو عمّا إذا كان حزب الشعوب الديمقراطية الكردي سيغيّر من قواعد اللعبة أم لا.
البعض يبني تقديراته انطلاقا من حسابات ناجمة عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي حصل المرشّح الكردي فيها على 9% من مجموع أصوات الناخبين، والحقيقة أنّ البناء على هذه النتيجة للقول إنّ ما يفصل الحزب الكردي عن البرلمان هو نسبة 1% من أصوات الناخبين وأنه من السهل تحقيقها في الانتخابات البرلمانية، هو أمر مضلل وغير دقيق وقد ينتهي بخيبة أمل كبير