عندما تتحرك بعض المواقع والصحف والإذاعات والتلفزات "التونسية" بهذا الشكل "الهستيري" في محاولة لإيقاف "زحف" الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي المطالب بتأميم ثروات البلاد.. أو على الأقل مصارحة التوانسة بخصوص حقيقة هذه الثروات و صيغ التصرف فيها.. فنحن أمام أحد أمرين:
إما أن كل من سارع إلى مواجهة تحرك الشباب التونسي السلمي المدني الافتراضي (الذي لا يعطل العمل و الإنتاج عكس بعض التحركات المشبوهة والمسيسة التي تدمر كل شيء في طريقها ولا يتجرأ أحد على انتقادها..) هو شريك "موضوعي" في ما يعتبره الشباب عمليات "نهب" ممنهجة لثروات البلاد، تنفذها شركات دولية بتواطؤ مراكز نفوذ داخلية.. أو أن من تحركوا – بهذا الشكل الهمجي - لمواجهة حملة "وينو البترول" تلقوا عمولة أو مقابل لهذا العمل اللاوطني، الذي يُخوّن شباب تونس لصالح شركات كبرى أجنبية متهمة – على الأقل – بنهب ثروات البلاد..!
في الحقيقة، أداء بعض المؤسسات الإعلامية (المكتوبة والمسموعة والمرئية) "العنيف" تجاه حملة "وينو البترول" الافتراضية – الشبابية – العفوية، غير المسبوقة – ربما – منذ أحداث الثورة التونسية، خاصة من حيث حجم التفاعل والانخراط في الحملة من الداخل ومن الخارج في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، يجعل أكثر المحللين تمكنا و"إلماما" بالمشهد السياسي والإعلامي التونسي في حيرة من أمرهم!؟
فنحن أمام مشهد يمارس فيه الشباب دوره، في إطار قيم ومبادئ المواطنة، وفي إطار الدستور، من خلال المطالبة بالحق في المعلومة والمطالبة بالشفافية وكشف الحقائق (عكس ما يريد البعض أن يصوره، وهو أن المساندين لحملة "وينو البترول" يطالبون "بالغنى الفوري أو اقتسام عائدات البترول أو تقاسم براميل النفط ")، من قبل السلطة ومن ورائها شركات التنقيب واستغلال مختلف الثروات الطبيعية (غاز.. بترول.. فوسفاط..) بخصوص كل المعلومات المتعلقة "بالملف"، كعقود الاستغلال وإجراءات إبرام الصفقات ومبالغها، وحجم الثروات المستخرجة بأرقام دقيقة ومثبتة بالوثائق والحجج.. فيجد أصحاب هذه المطالب أنفسهم، ليس في مواجهة (الطبيعية) مع السلطة أو الشركات المتهمة بالاستغلال "غير المشروع" لثروات البلاد.. بل أن نشطاء حملة "وينو البترول" يجدون أنفسهم في "مواجهة مباشرة" مع مقدمي برامج إذاعية وتلفزية.. ومحللين.. بل ورؤساء تحرير مؤسسات إعلامية!
مشهد مركب، غريب.. فالشباب المطالب بكشف الحقائق وتأميم ثرواتنا الطبيعية.. لا يُواجه من قبل ناطقين باسم "بريتش غاز" أو "شال" أو "أو أم في" بل يهاجم من قبل إعلاميين! توانسة! دورهم الطبيعي هو البحث عن الحقيقة!.. هؤلاء "تجندوا" في البرامج الإذاعية والبلاتوهات لتشويه الحملة وإطلاق أبشع النعوت والأوصاف على المشاركين فيها والترويج لنظرية المؤامرة.. مما يجعل من كل الذين قادوا "الحلمة المضادة" لحملة "وينو" البترول في تحالف "موضوعي" مع الشركات الأجنبية المتهمة – على الأقل حتى الآن – بنهب ثرواتنا!
الأداء الإعلامي المشبوه والمفضوح لبعض الإعلاميين ومؤسسات الإعلامية تجاه حملة "وينو البترول" يمكن أن يكون منطلقا لعمل أكاديمي بحثي "ضخم" يتناول تشعبات المشهد الإعلامي التونسي، ومراكز النفوذ المتحكمة في أهم المؤسسات المكونة لهذا المشهد.. ولتقاطعات بين هذه المراكز وبعض الأطراف الإقليمية والدولية الرسمية وغير الرسمية اللاعبة في المشهد التونسي..فوق وتحت الأرض.