(ضيف غير مرغوب به)، (وصمة سيسي)، (هو الأزمة شخصيا)، (الجنرال الدموي)، (قائد الانقلاب على الرئيس المنتخب) ... هذه بعض الأمثلة لعناوين الصحف الكبرى في ألمانيا تعليقا على زيارة السيد "سيسي" لبرلين.
يحاول أن يرتدي بدلة إيطالية تظهره كرئيس منتخب، ولكن طيف الرئيس المنتخب المحكوم عليه بالإعدام يلاحقه، فيضطر أن يعترف بأن ذلك الرئيس قد جاء بانتخابات سليمة !
يحاول أن يفلسف الانقلاب الدموي وفاشيته العسكرية بأنها إرادة الشعب، ولكن التظاهرات الحاشدة المضادة له في كل مكان يذهب إليه تكذبه !
يحاول أن يتحدث كما يتحدث الزعماء المنتخبون، ولكن تطارده أفعاله وتاريخه، فيرى الاحتقار مجسدا في طريقة استقباله المهينة (مقارنة بمن انقلب عليه)، وفي إجراءات أمنية تمنعه من الحياة الطبيعية للرؤساء المتنخبين !
يحاول أن يبرر
أحكام الإعدام، عشرات الآلاف من المعتقلين، مئات الناشطين الذين اختفوا قسريا، حملة الاعتقالات التي بدأت قبل بدء زيارته لألمانيا ... ولكن هيهات، فقد دخلت عليه الفتاة
المصرية (فجر العادلي) لتصرخ في وجهه بالحقيقة !
يحاول أن يظهر كرئيس ذي شعبية، كمعبود للجماهير، فيفاجأ بالإعلام الألماني وقد كشف مؤيديه، ووصفهم بوصف دقيق (مصفقون مأجورون) !
يحاول ويحاول.. وسيظل يحاول.. ولكن لا أمل في النجاح، وأقصى ما يستطيعه أن يؤجل يوم الحساب، وأن يؤخر ساعة الفشل ... سيكسب بعض الوقت، قبل أن تأتيه القاصمة.
مصر بلد القمع، وتعيش تحت حكم مجموعة من السفاحين، والعالم كله يعلم ذلك، ولكن ... لن يغير العالم قوانين الحياة وسنن الكون، لذلك ... لن يتغير الوضع في مصر إلا بأيدي المصريين.
الرئيس المدني ... يقف بجوار المستشارة الألمانية المعروضة للبيع أو الإيجار، يقول "نحن نحب الديمقراطية والحرية ولكن ظروفنا صعبة"، وفي اللحظة نفسها يصدر السيد وزير الدفاع قرارا بإعفاء مئات المباني التابعة للقوات المسلحة من الضرائب العقارية !
كيف يمكن تفسير إعفاء هذه المباني في ظل حكم ديمقراطي؟
وزير الدفاع ليس من صلاحياته فرض ضرائب أو إعفاء أي جهة من أي ضرائب !
هذه المنشآت التي صدر بها القانون ليست منشآت عسكرية، حتى لو كانت تابعة للقوات المسلحة، بل هي منشآت مدنية، أغلبها يمارس أعمالا تجارية، تنافس مؤسسات أخرى تعمل في مجالات مختلفة، وليس من العدل إعفاء هذه المؤسسات، فنحن بذلك أولا نفسد الدولة، وثانيا نفسد اقتصاد السوق.
ولكن "سيسي" ما زال في برلين ... يتغزل في الديمقراطية المصرية !
يحاول "سيسي" أن يرضي الجميع، يحاول أن يرضي الجيش، ورجال الأعمال، والفلول، وأنصار مبارك، والإعلام، ومانحيه الذين منحوه الرز عبر عامين، والمجتمع الدولي ... إلخ
ولكن يغيب عنه أنه لا يستطيع أن يرضي هؤلاء جميعا، وأن المصالح متضاربة، وأنه يقف في المنتصف وحيدا، ضاق به أنصاره بعد أن كثرت فضائحه، وانكشفت أكاذيبه ... كان حصانا رابحا، وراهن كثيرون عليه بكل شجاعة، ووضعوا بيضهم كله في تلك السلة، واليوم يبحث غالبية من راهنوا عليه عن مخرج.
حراك الشارع الصامد لما يقرب من عامين لقن العالم كله درسا في الصبر، وسوف يلقنه درسا آخر في إدارة المعركة، وفي النصر بإذن الله.
أحكام الإعدام ستصدر بعد أن يعود "سيسي من جنوب إفريقيا، وسيحاول أن يضع إفريقيا كلها أمام الأمر الواقع، بعد أن وعد بالإفراج عن الرئيس الذي انقلب عليه لكي تعود مصر للاتحاد الإفريقي، ثم حنث بوعده.
هو يظن أن كل هذه المناورات ستمر بلا عواقب، ولا يعلم أن إدارة الدول ليست بهذه السهولة، وأن وجوده في سدة الحكم أصبح عبئا على الجميع، عبئا على المؤسسات التي دعمته، وعلى المانحين، وعلى المجتمع الدولي، وعلى غالبية الذين أيدوه في بداية انقلابه من آحاد الناس.
ليس معنى ذلك أن جميع هؤلاء أصبحوا مؤيدين لخصومه السياسيين، ولكن معنى ذلك أن غالبية المصريين تريد حلا، تريد الخلاص من هذا النظام، ومن "سيسي" مع الحفاظ على الدولة ومؤسساتها.
سيحاول "سيسي" أن يؤجل قرارات رفع الأسعار إلى ما بعد رمضان، وسيحاول أن يغطي على الخيبة والفساد في إدارة الملف الاقتصادي باحتفال ضخم يقيمه لافتتاح ما يسمى بمشروع قناة السويس الجديدة، ولكن المشكلة الكبرى أنه قد حظي بفرص قبل ذلك وضاعت جميعا، واتضح لغالبية المواطنين أننا نعيش في عصر الوعود التي لا تتحقق، ولا يمكن أن تتحقق، هل تذكر (أوهام المؤتمر الاقتصادي التي تبددت في عدة أسابيع؟).
مع انطلاق مشروع قناة السويس كانت الدعاية تقول إنه سيحل مشاكل مصر فورا، وأنه سيدر على مصر مائة مليار دولار سنويا !
ومع اقتراب الافتتاح ... بدأ التسويف، وبدأ الكلام الخائب عن تأخر العائد، وأن القناة لن تدر أكثر من مبلغ بسيط في السنوات الخمس الأولى، ثم سيبدأ العائد بالارتفاع بعد ذلك تدريجيا ... أين الوعود القديمة؟ وأين عشرات المليارات التي أخذت من ودائع الناس؟ وكيف ستعود لهم أرباحهم؟
الإجابة في مطبعة البنك المركزي !
أعظم واجب الآن على كل وطني هو العمل على توحيد الصف الثوري، لأن الثورة قادمة قادمة، بنا ... أو بدوننا، بنا ... بغيرنا.
إن الاصطفاف الوطني (الحقيقي) اليوم هو واجب اللحظة، ويجب على كل التيارات أن تعمل سويا من أجل صياغة خطوط رئيسية لرؤية مشتركة لإدارة مرحلة ما بعد "سيسي"، وهو أمر قد حدث بالفعل بشكل أو بآخر، وتصورات الثوريين من سائر الاتجاهات حول ما بعد "سيسي" متقاربة، وسوف يعلم الناس كل ذلك في اللحظة المناسبة.
كلنا نعلم أن ما بقي من عمر هذا الدكتاتور في السلطة قليل، وكلنا نعلم أن المشكلة فيما بعد ذلك.
دعوات العصيان المدني التي أطلقتها الحركات الثورية وعلى رأسها حركة السادس من إبريل جهد مشكور، قد لا يلقى الاستجابة التي نريدها الآن، ولكن من المؤكد أنها سوف تحقق الهدف بعد عدة أسابيع أو عدة شهور.
المقاومة السلمية لهذا النظام العسكري السفاح واجب لا مناص منه، وطالما ظلت المقاومة سلمية، سيقف في وجه الجنرال شباب في كل مكان يتجرأ أن يظهر فيه "سيسي" في العالم كله لكي يقولوا له الحقيقة "أنت سفاح"، تماما كما فعلت فجر العادلي !
بهذا نرى "سيسي" في المصيدة !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: arahman@arahman.net