كتب حسين الرواشدة: هل ستبادر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى حل نفسها..؟ السؤال بالطبع ليس من عندي وإنما خرج -ربما للمرة الأولى- من داخل الجماعة ذاتها، أما لماذا، فاعتقد أن وراء طرحه ثلاثة أسباب:
الأول محاولة التلويح من قبل بعض القيادات بالحل وسيلة لردع الجهات الرسمية عن الاستمرار في إجراءات سحب الاعتراف بالجماعة بعد أن صدرت فتوى ديوان التشريع بنقل أملاك الجماعة إلى الجمعية الجديدة المرخصة.
الثاني محاولة استيعاب حالة " المد" الشبابي الإخواني الذي يطالب الجماعة بالرد على الإجراءات الرسمية.
الثالث : الخروج من حالة "اللايقين" والإنكار إلى حالة الاعتراف بالواقع والتكيف معه، ذلك أن الرسائل التي وصلت للإخوان حتى الآن تشير إلى أن الدولة تسير في اتجاه حل الجماعة، فما الذي يمنع من استباق قرار الموت البطيء بقرار اطلاق رصاصة الرحمة..؟
رغم وجاهة هذه الأسباب، إلا أن الجماعة - في تقديري- لن تقدم على هذه الخطوة الآن على الأقل، فهي أولا تعتقد أنها ما تزال تحظى "بالشرعية" القانونية، وبالتالي فان أمامها فرصة للذهاب إلى القضاء.
وهي تعتقد ثانيا أن رهان الدولة على الجمعية سيكون خاسرا، لأن الجمعية لن تستطيع أن تملأ الفراغ الذي ستتركه الجماعة، كما أنها لن تتمكن من استقطاب الجسم الإخواني، وبالتالي فانه لا خيار أمام الدولة إلا الاحتفاظ بالجماعة، خاصة في هذا الوقت بالذات.
وهي تعتقد ثالثا أن المقصود من الإجراءات التي استهدفت الجماعة ليس "حل" الجماعة وإنهاء وجودها، وإنما محاولة قضمها وإضعافها، وبالتالي فإن أمام الجماعة فرصة أخرى للمقاومة وإعادة البحث عن خطوط جديدة لبناء تحالفات وتفاهمات مع الطرف الرسمي، وهذه كفيلة بتحقيق التصويب الحقيقي لمسار العلاقة بين الدولة والجماعة، باعتبار أن الخلاف لا يتجاوز حدود الملعب السياسي، ويبدو أن الجماعة جاهزة هنا لتقديم ما يلزم من تنازلات اذا كان البديل هو طردهم من اللعبة نهائيا.
اذا كانت الحكومة تجنبت -حتى الآن- الذهاب بشكل مباشر إلى عنوان "الحل"، فإنه من غير المتوقع أن يتطوع الإخوان بالهروب إلى هذا العنوان، لأن ذلك على الأقل سيمنح الحكومة ما تريده تماما، كما أنه سيكون بمثابة هدية مجانية للجمعية لكي تصبح الوريث الشرعي للجماعة المنحلة، وبناء على ذلك فإنه لا خيار أمام الجماعة سوى الدفاع عن شرعيتها والاستمرار في نشاطاتها حتى لو صدر حكم قضائي بتسجيل أملاكها للجمعية، أو قرار سياسي باعتبارها محظورة.
اذا ثبت -قانونيا وسياسيا- أن الجماعة لم يعد مرحبا بها رسميا، فان أمامها ثلاثة خيارات: الأول استصدار ترخيص تحت مسمى جمعية او هيئة جديدة لممارسة العمل الدعوي والاجتماعي، فيما يمكن لأعضائها الراغبين بممارسة العمل السياسي أن ينضموا لحزب جبهة العمل الإسلامي، وهذا بالضبط ما فعله الإسلاميون في تركيا والمغرب وغيرهما من الأقطار التي شهدت تحولات وصرعات استهدفت إقصاء التيار الإسلامي عن العمل السياسي، حيث تحرروا من الأسماء الحزبية والحركية وتكيفوا مع الظروف السياسية التي حاصرت تجاربهم.
أما الخيار الثاني فهو إزاحة "الجماعة" باتجاه الجمعية المرخصة بشكل كامل، وفي حال تمكن الإخوان من الانتقال إلى الإطار الجديد المرخص، فإن أي انتخابات قادمة ستفرز قيادة تحظى بقبولهم، لأنهم عندئذ سيشكلون الأغلبية، وبمنطق الإحلال هذا، فإن الجماعة ستضمن الحفاظ على شرعيتها، وستحول دون نجاح المحاولات التي تستهدف حلها أو إضعافها.
يبقى الخيار الثالث، وهو اتخاذ قرار بحل الجماعة طوعيا والإبقاء على حزب الجبهة واجهة للعمل السياسي، وعندها يكون الإخوان قد تركوا العمل الدعوي، وحصروا حضورهم في العمل السياسي فقط، وهذا الخيار كما قلت غير متوقع.
على صعيد الربح والخسارة، اعتقد أن بلدنا هو الخاسر من كل ما يجري، ليس فقط لأن خروج الجماعة من فضائنا السياسي والاجتماعي والديني يدفعنا إلى الإجابة على سؤال المليون وهو: ما البديل..؟ ونحن للأسف لا نملك أي إجابة عليه، وإنما أيضا لأننا نصر على تكرار الأخطاء التي ارتكبها غيرنا وأوصلتهم إلى ما وصوا إليه من خيبات، كما أننا نغامر في العبث بملفات تمس استقرار بلدنا، وتبعث برسائل مغشوشة لكل من يقف على أرضية صلبة من الاعتدال والرغبة في المشاركة بالعمل السياسي والاجتماعي بشكل علني، وكان المطلوب هو المكاسرة بين الفرقاء أو إقصاء طرف ومعاقبته، أو دفعه للعمل تحت الأرض. وهذا ما لا يريد أي وطني عاقل تهمه مصلحة الأردن.
(صحيفة الدستور الأردنية)