قضايا وآراء

كيف نمنع تحول كراهية المسلمين إلى عنف ضدهم؟

1300x600
ليس هناك شك، ويجب ألا يكون هناك أي شك في أن طبيعة الصراع الذي يدور حاليا في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، ينطلق بشكل أساسي من الأيديولوجيا، وأن هذا الواقع يعتبر حقيقة قرآنية غير قابلة للنقاش.

قال الله سبحانه وتعالى:

 وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا" (البقرة- الآية 217).

إن رغبة أعداء الإسلام المستمرة لإفساد معتقداتنا وممارستنا، إذن، لا يمكن لأي مسلم إنكارها. 

ولكن الكراهية والعداء في الحقيقة لا تهم، بل ما يهم هو عندما يظهر العداء الكامن ويتم التعبير عنه من خلال العنف والقمع. هذا هو المهم!

كلما حدث ذلك، كان هناك أسباب وظروف سمحت لأعدائنا ومكنتهم من إطلاق العنان لشراستهم بصورة علنية. من المهم لنا أن نفهم تلك الأسباب، لنفهم لماذا يقوم أعداؤنا بمهاجمتنا متى وأين وكيفما شاءوا. فالعداوة يمكن أن تبقى تحت الاختبار، أو يمكن أن تثار ويطلق لها العنان لتعيث في الأرض فسادا.

نحن لا نستطيع معالجتهم من الكراهية، ولكن يمكننا أن نحاول منع الأوضاع التي تسمح لهم بممارسة كراهيتهم ضدنا.

على سبيل المثال، يجب أن نفهم أعمال العنف المروعة التي تجري حاليا في ميانمار ضد مسلمين روهينجيا في السياق السياسي والاقتصادي للدولة. كراهية البوذيين البورمية ضد الروهانجيين ليست بجديدة، فلماذا إذا لا تنفجر هذه الكراهية إلا الآن عبر المجازر الوحشية والفظائع؟

يفرض الحكام العسكريون في ميانمار شكلا من أشكال الليبرالية الجديدة منذ سنوات عديدة لصالح الشركات الكبرى المحلية والدولية. 

تذكر، حدث في بورما أن مجموعة شركات النفط والغاز الأمريكية "يونوكال" اتهمت بالربح من ممارسة العبودية في التسعينيات. تعرض العمال للضرب والتعذيب وأجبروا على العمل في خط أنابيب يونوكال بدون أجر، وهذا هو الاتهام الذي أدى إلى رفع دعوى قضائية ضد شركة يونوكال، وفي نهاية المطاف تم دفع تعويضات غير مصرح عنها. لذلك، فقد ثبت أن سلطات الدولة في ميانمار ستكون قاسية مع السكان المحليين إذا كان ذلك يخدم احتياجات الشركات التجارية الكبرى.

إن المعيار في ظل الإمبريالية الليبرالية الجديدة؛ هو أن الغالبية العظمى من السكان يعانون من الحرمان والاستغلال، في حين أن نخبة المجتمع تجني فوائد التعامل مع التجارة الدولية، وهذا هو الحال في ميانمار.

إن ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية من الحكام العسكريين تفتح المجال أكثر فأكثر للاستثمار الأجنبي في ميانمار، في حين أن توزيع العقود على المقربين من النظام السابق قد ترك البلاد بأوسع  فجوة في العالم بين الأغنياء والفقراء، والتي من المتوقع ان تزداد سوءا. إذ أن نصيب الفرد من الدخل ليس سوى حوالي 2-3 دولار يوميا، فيما لا يمتلك حوالي 75% من السكان الكهرباء.

إن التفاوت الشديد، وعدم المساواة الهائلة بين الأغنياء والفقراء، وتدهور الأوضاع الاجتماعية، والمنافسة بين السكان اليائسين والفقراء من أجل الوصول إلى وسائل البقاء المالي، وتناقص الأمل في المستقبل، وانعدام الأمن، والغضب، كلها تركات الليبرالية الجديدة، وكلها وبطبيعة الحال مكونات أساسية في وصفة الاضطرابات الاجتماعية القابلة للانفجار.

ليس هناك سوى اتجاهين يمكن من خلالهما توجيه إحباط وبؤس الشعب على شكل اضطرابات، إما ضد السلطات أو من فئات الشعب المختلفة ضد بعضها البعض. ومن الواضح أن أي سلطة ليس من مصلحتها أن تكون هدفا للغضب الشعبي العام، كما أنه أكثر أمانا بكثير للشعب ألا يثور على البنى السلطوية. لذلك، فنحن نرى أن الاستياء الشعبي واليأس الناجم عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الظالمة للدولة غالبا ما يوجه إلى تأجيج الفتنة بين السكان أنفسهم بعيدا عن السلطة.

وبالطبع، فإن أكثر فئات مؤهلة للإيذاء هي الأقليات، الأضعف والأكثر تعرضا للكراهية، والذين تحظى كراهيتهم بأكبر قدر من القبول لدى المجتمع، وأولئك الذين يستمتعون بأقل قدر من الحقوق والحماية. الروهينجا، إذن في ميانمار، هم فريسة سهلة.

نعم، كما قلت، ليس هناك شك حول طبيعة الأسس الأيديولوجية للصراع، ومع ذلك، يجب أن نولي اهتماما أكبر للشروط والظروف التي يمكن أن تؤثر على إمكانية أو عدم إمكانية أن يتم التعبير عن هذا العداء الأيدولوجي من خلال العنف أو العدوان المفتوح.

ارتفعت الكراهية الكامنة في ميانمار ضد المسلمين، لتظهر على السطح في ظل ظروف الأزمة والتفاوت الحاد واليأس، والحكومة على علم بأنه حين يتم تنفيس الغضب العام ضد الروهينجا، فإن السلطات لن تكون عرضة لتنفيس الغضب العام. هذا يجعل الأعمال الوحشية للإرهابيين البوذيين آلية مفيدة تماما للسلطة لإدارة الاضطرابات الناجمة عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية.