في جلسة تسبق لقاء النائبة البرلمانية ماجدة (التي تمثل دورها
إلهام شاهين) مع رئيس الدولة المهتم بقضية الفساد التي أثارتها بمجلس الشعب، ينطلق العقيد هاشم حماد (فاروق الفيشاوي) في التنظير بحماسة لميزات رئيس الجمهورية.
العقيد هاشم حماد: كل حاجة لازم تتحل من فوق. أي مشكلة لازم لها قرار جمهوري. الناس مش قادرة تفهم أن رئيس الجمهورية ده مش مجرد ناظر محطة يعدي القطر ده ويوقف القطر ده، وإن دور رئيس الجمهورية الحقيقي ومسؤوليته الأهم أنه يدور لشعبه عن فكر، عن فلسفة، عن هدف. رئيس الجمهورية يبقى جزء من تفكير شعبه يطور سلوكه وحياته ويبني هيكل كبير في دولة تبقى ملك للشعب مش ملك للحكام.
أن يصدر مثل هذا الكلام عن ضابط في جهاز أمن الدولة في عهد حسني مبارك أمر مستغرب. لكنها رغبة القائمين على إنتاج فيلم "موعد مع الرئيس" لتبييض صفحة الحاكم وإلصاق الفساد المستشري في شرايين الدولة بمجموعة من المتنفذين المعزولين الفاسدين وكأنهم أسقطوا على الدولة والمجتمع دون حماية من أحد، لدرجة بدء أحداث الفيلم بعبارة لحكيم فرعوني يقول فيها: أيها الحاكم، يا من تملك الحق والعدل والبصيرة. إن الفساد ينتشر في كل مكان. لقد كذبوا عليك فالبلاد تشتعل كالقش الملتهب والناس على شفا الهلاك.
لم ينفع تحذير الحاكم ولا نفعت محاولات تخدير الشعب من خلال أفلام من طينة "موعد مع الرئيس" من إنقاذ نظام سياسي بني على الفساد برعاية رسمية من "فوق" ليثور الشعب في وجهه بعد أكثر من عشرين سنة من إنتاجه بميدان التحرير ومختلف ربوع جمهورية
مصر العربية.
لكن المثير أن من حملوا في الفيلم لواء الدفاع عن الحق المجتمعي والدعوة لمحاسبة الفاسدين كان لهم رأي آخر في الواقع، حين اصطفوا في خندق النظام الفاسد وصاروا يدافعون عن الحاكم وأزلامه رغم كل دلائل الإدانة التي أحاطت بهم.
ما بال السينما انفصلت عن الواقع وهي المفترض فيها أن تكون مرآة صادقة عنه؟
في ألمانيا، جلس الحاكم بأمر الانقلاب مزهوا بين مريديه ليؤكد ما جاء على لسان العقيد هاشم حماد.
عبد الفتاح
السيسي: " أنا ربنا خلقني طبيب أوصف وأشخص الحالة.. هو خلقني كده.. أبقى عارف الحقيقة وأشوفها.. وده نعمة من ربنا ادها لي.. اسمعوها مني لأن حتى هما دلوقتي وكل الدنيا ولا ايه؟ بيقولك لأ اسمعوه.. خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين وكبار الفلاسفة لو حبيتوا ابتدوا يفهموا أن الكلام ايلي بنقولو كلام نقي وشريف وأمين ومخلص، مفيش منو هدف واحد غير المصلحة".
إلهام شاهين (النائبة ماجدة في الفيلم) كانت هناك واستمعت لهذا الفكر وهذه الفلسفة وهذا الهدف.
لعلها تذكرت وقتها بكل فخر كلمات العقيد هاشم حماد (فاروق الفيشاوي) في الجلسة التي سبقت لقائها برأس النظام في فيلم "موعد مع الرئيس" وهو ينطق نفس الكلمات منظرا لميزات رئيس الجمهورية المنتظر. لو كان فاروق حاضرا هناك لصاح في الحضور أنه صاحب حقوق الخطاب التاريخي، لكن الله ستر. وفي لقاء تلفزيوني لها بعد العودة من الرحلة المظفرة، استضافها "الواد الحسيني بتاع أون تي في"، الذي شارك نفسه في زفة الرئيس بألمانيا، وفي غمرة حماس أشارت بأصابعها بشارة رابعة قبل أن ينبهها "الواد" لتبدأ في الاستغفار وضرب الأصابع "المجرمة". قطع إيديك يا شيخة.
في فيلم "موعد مع الرئيس" قصة نائبة برلمانية تتخذ من محاولات شركة استثمارية هدم مباني حي القلعة وتشريد سكانها قضية استأسدت في الدفاع عنها رغم كل التهديدات التي واجهتها قبل أن تتمكن في الأخير من إيصال ملف القضية إلى الرئيس الذي لم تسمح الرقابة بتصوير مشهد لقائها السينمائي به إلا من "قفاه".
في واقع الأمر لم تعد إلهام شاهين بحاجة للمخاطرة بحياتها وحياة ابنتها للتملي ب"قفا" الرئيس، فقد صارت من الحاشية المقربة، يستعان بخدماتها لتسبق الحاكم إلى حيث ينتوي السفر، والهدف أن "تلم الناس حوله" كما صرحت في البرنامج إياه.
ما بال الواقع صار أكثر سوريالية وتخييلا من السينما وهي المفترض فيها أن تكون مرآة صادقة عنه؟
في السينما تقف النائبة ماجدة على منصة مجلس الشعب وتطلق صرختها المدوية: من وراء هذا الفساد؟ من يحمي الفساد في هذه الدولة؟
يا ترى كيف كانت ستكون إجابة رئيس الانقلاب لو تجرأت المحظية "إلهام شاهين" وطرحت عليه السؤال؟
ولنذهب بخيالنا أوسع من ذلك: ما الذي كان يمكن أن تتضمنه أي مرافعة أو ملف قد تقدمه إلهام لرئيسها، في الذكرى الأولى لولايته الأولى، لو أصرت فعليا، كما في الفيلم، أن تكون لسان الشعب الذي لا يخاف في قول الحق لومة لائم؟ وأي شكل قد يتخذه موعدها مع رئيسها، المنقلب على الشرعية، لو قررت الانحياز لنبض الشارع بدل التزلف لدوائر القرار و"لم الناس" في فرح العمدة الجديد؟
رئيس مجلس الشعب: احنا هنا يا بنتي لحماية الشرعية والحفاظ على سيادة القانون. مفيش أي قوة تستطيع أنها تمنع تنفيذ حكم قضائي نهائي.
النائبة ماجدة: وإن كان القانون سيستخدم ضد الشعب مسؤوليتنا كنواب أننا نوقفوا.
رئيس مجلس الشعب: عمر القانون ما كان ضد مصالح الشعب. القانون وضع أساسا لحماية مصالح الأمة.
النائبة ماجدة: الحكم صدر بناء على أدلة خطأ وقرائن غير سليمة
رئيس مجلس الشعب: يبقى على الجهات المتضررة إثبات الأدلة والقرائن السليمة.
النائبة ماجدة: ولحين لإثبات ده تتشرد أسر بحالها وأطفال أبرياء في الشوارع في خيم الإيواء؟
رئيس مجلس الشعب: ده تبقى كارثة إنسانية محدش يرضى بيها أبدا.
النائبة ماجدة: ده غير أنه ممكن يحصل صدام بين البوليس والأهالي والنتائج مش حتكون سهلة أبدا. تأكد سيادتك أن الأرض ايلي احنا واقفين عليها جوا المجلس ده حتتهز تحت رجلينا.
رئيس مجلس الشعب: ده مش أرض المجلس وبس ايلي حتتهز، البلد كلها. أنا حتصرف
ما بال السينما انفصلت عن الواقع وهي المفترض فيها أن تكون مرآة صادقة عنه؟
فضت التظاهرات والاعتصامات، وقتل من قتل، وأعطب من أعطب، وشرد من شرد وأحرقت الخيام على من فيها. ولا تزال صور الجثث وصيحات الأطفال والأمهات تزلزل الآذان. وفي المقابل رُقي صاحب أمر الفض من رتبة فريق أول إلى مشير، ومن منصب وزير للدفاع إلى رئيس جمهورية مصر العربية.
عقيد الأمن المركزي هاشم حماد يتأبطأ مكبر الصوت وهو على مشارف حي القلعة بصحبة جنوده بهدف الاقتحام.
العقيد هشام حماد: العقيد هشام حماد يناشدكم تنفيذ الأوامر بسرعة. باقي من المهلة ساعة واحدة، باقي من المهلة ساعة واحدة.
لم يكن ينقص المشهد غير كاميرات الأجهزة السيادية المعروفة لتنتقي المشاهد وتجهز شريط البث قبل توزيعه على الأذرع الإعلامية رغبة في إخفاء معالم الجريمة.
وحين أصرت "القيادة" على الاقتحام، رفض العقيد الأمر ف"مهمته حماية الشعب لا الاعتداء عليه" فطُلب منه تسليم قيادة العملية لعقيد آخر، فالهجوم مبيت ولابد من تنفيذ التعليمات.
يغادر هشام حماد الموقع بعد وصول رئيسه المباشر الذي أخبره بتحويله على التحقيق.
العقيد هشام حماد: أمرك يا سيادة اللواء
العميد صفوت: إنت قلت لواء؟
العقيد هشام حماد: ايوه يا افندم. بكرة حأزورك في مكتبك أهنيك. ايلي بتعملوا سعادتك ميقدرش عليه أي ضابط بسهولة..
أنحتاج للتأكيد مرة أخرى أن الترقية كانت لرتبة المشير ولمنصب الرئيس؟
ما بال الواقع صار أكثر سوريالية وتخييلا من السينما وهي المفترض فيها أن تكون مرآة صادقة عنه؟
انتهى الموضوع كله بتصوير الرئيس من "قفاه" نهاية للأحداث..