من يشارك في أعمال مؤتمر "
الديمقراطية التوافقية في
العالم العربي"، والذي عقده مركز القدس للدراسات السياسية ومنتدى الجاحظ التونسي في بيروت في اليومين الماضيين، يكتشف عمق الأزمة التي يواجهها العالم العربي اليوم، التي لا يمكن مواجهتها بحلول تقليدية أو اقتراحات بسيطة وعادية.
فالمؤتمر شارك فيه نشطاء سياسيون وحزبيون ومفكرون من مختلف التيارات الفكرية والسياسية من لبنان والأردن والعراق وسوريا واليمن والبحرين وتونس والمغرب وفلسطين ومصر، لكن للأسف لم يحضر ممثلو الإخوان المسلمين من سوريا ومصر والأردن؛ إما لأسباب أمنية أو بسبب المنع من دخول لبنان، وهذه إشارة أولى للواقع العربي المأزوم اليوم.
أما على صعيد المداخلات التي قدمت والتي كانت تهدف للتوصل إلى رؤية جديدة تدعو لاعتماد خيار الديمقراطية التوافقية كمرحلة انتقالية لاعتماد الديمقراطية العادية، فإن هذه المداخلات كشفت أن الأزمة التي تعاني منها الدول العربية لا يمكن أن تحل فقط بالدعوة للديمقراطية سواء كانت توافقية أو تقليدية، فالصراع اليوم في معظم الدول العربية تداخلت فيه العوامل الداخلية والخارجية وأصبحت معظم الدول تفتقد للحد الأدنى من حقوق الإنسان بسبب عمليات القتل والاغتيال والاعتقال وإصدار أحكام الإعدام السياسية وانتشار موجات التطرف والتكفير وغياب منطق الاعتراف بالآخر أو تداول السلطة.
وقدم المشاركون في المؤتمر مداخلات معمقة حول التطورات في معظم الدول العربية وكيفية الخروج من الأزمات القائمة وبرزت بعض الأفكار الجديدة خصوصا من قبل بعض الناشطين الإسلاميين من تونس والمغرب والأردن، الذين أكدوا خيار الدولة المدنية والديمقراطية في مواجهة منطق العنف والاستبداد.
وشكلت التجربتان التونسية والمغربية نقطتي الضوء التي يمكن الاستفادة منهما والبناء عليهما من أجل البحث عن نظام سياسي جديد في العالم العربي يستفيد من المتغيرات الحاصلة ويأخذ بعين الاعتبار الوقائع الموجودة، وإن كانت المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ليست بعيدة عن هذين البلدين أيضا. وقد صدر في ختام المؤتمر بيان ختامي جاء فيه : لقد أقر المشاركون أن مؤتمرهم يحمل عنوانا مركبا بالعديد من الإشكاليات والدلالات، إذ كيف تكون ديمقراطية وتوافقية، وهو ما يثير التساؤلات حول وظيفة صناديق الاقتراع إن لم تكن تفويض الغالبية بأن تحكم والأقلية بأن تعارض، وحول وظيفة الانتخابات التي هي ذروة سنام التحول الديمقراطي إن كانت البلاد والعباد سيحكمون بالتوافق.
ومع أن غالبية المشاركين وجدت في الديمقراطية التوافقية بما تنطوي عليه من انتقال توافقي متدرج، أقصر الطرق وأسرعها للانتقال الآمن نحو ضفاف الديمقراطية، شدّد البعض على فهمه للديمقراطية التوافقية بأنها ليست صيغة مقترحة للمحاصصة
الطائفية والعرقية.
ودعا المؤتمر، المثقفين والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية إلى المبادرة في الاتجاهات التالية:
دعوة القوى المتصارعة في البلد العربي الواحد إلى التوافق للبحث عن حلول من منطلق المصلحة الوطنية العليا، والنأي بالنفس عن الاستقواء بالقوى الإقليمية والدولية بغض النظر عن الوشائج معها سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو مذهبية أو مصلحية.
وتثمين الدور الذي تلعبه بعض المرجعيات الدينية أو السياسية أو لجان الحكماء في نزع فتيل الاقتتال الداخلي، وتعزيز النسيج الوطني، وممارسة التنوير ضد الأفكار الظلامية والفكر التكفيري، وتشجيع هذه المرجعيات على مواصلة هذه الأدوار والارتقاء بها إلى توافقات وطنية شاملة، وإلى سيادة فكر وثقافة التنوير والديمقراطية.
وتشجيع النساء في الدول العربية على تفعيل دورهن في حماية وترسيخ السلم الأهلي.
والاعتراف بمختلف المكونات القومية والدينية والعرقية والمذهبية، وإدراك أن سياسة التهميش والإقصاء التي مورست أو تمارس ضد بعض المكونات هي التي تدفعها للتناغم مع الدعم الخارجي، وينطبق هذا على نحو خاص في حالات العراق واليمن والبحرين.
ورغم قسوة المشهد الذي قدمه "مؤتمر الديمقراطية التوافقية في العالم العربي" فان مجرد انعقاده واجتماع عدد من الناشطين العرب للبحث في مستقبل أوطانهم قد يكون مدخلا للبحث عن حلول للازمات القائمة والمركبة والعميقة.