مقالات مختارة

محمد بن سلمان في روسيا

1300x600
عبدالله بن بجاد العتيبي: دشنت زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لروسيا الاتحادية مرحلةً جديدةً من العلاقات بين البلدين، وكان لقاؤه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معبرًا عن طموح الطرفين لنقل العلاقات بينهما لمستوياتٍ غير مسبوقةٍ.

النتائج المعلنة للزيارة تحدثت عن ست اتفاقيات استراتيجية؛ أهمها عزم السعودية على بناء ستة عشر مفاعلاً نوويًا سلميًا سيكون لروسيا نصيب الأسد في بنائها وتشغيلها مع تفعيلٍ للجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء، وكذلك اتفاقيات أخرى تتعلق بالإسكان والطاقة والزراعة وتبادل الاستثمارات بين البلدين.

الثابت في عالم السياسة هو التغير المستمر، وقد مرّت العلاقات بين البلدين بمراحل من التوافق والاختلاف، استمرت لعقودٍ، واللحظة التاريخية اليوم تدفع الطرفين للتوافق والتقارب في عددٍ من الملفات المهمة على المستويين الدولي والإقليمي، وقد جاء أول المؤشرات المهمة من نيويورك حيث مجلس الأمن والقرار 2216 المتعلق بالأوضاع في اليمن ودعم الشرعية وعاصفة الحزم والذي مررته روسيا بالامتناع عن التصويت.

كما تأتي الزيارة في لحظة اضطرابات كبرى تشهدها مراكز القوى الكبرى في العالم بما فيها بعض الحلفاء الغربيين الذين تمتلك بعض إداراتهم الحالية رؤى مختلفة تجاه ملفات المنطقة الساخنة، إنْ في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن، وعلى رأس تلك الإدارات إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبخاصة في موضوع الاتفاق النووي الإيراني والتدخلات الإيرانية السافرة في بعض الدول العربية ورعاية إيران للتنظيمات الإرهابية التي تحدثت عنها وزارة الخارجية الأميركية قبل يومين، وعلاقات التحالف الطويلة مع أميركا والدول الغربية لا تمنع أبدًا من فتح تواصلٍ مع القوى الدولية المؤثرة وكلّما علت المصالح والشراكات والاستثمارات مع أي دولةٍ مهمةٍ، كسبت السعودية ودول الخليج والدول العربية دعمًا إضافيًا مؤثرًا.

ملف النفط واحدٌ من أهم الملفات التي تهم البلدين، السعودية بوصفها أكبر مصدر للنفط في منظمة «أوبك» وروسيا بوصفها أكبر مصدر للنفط من خارج «أوبك» وبخاصة ما تشهده سوق النفط من تذبذبٍ في الأسعار وتغييرات واختلافاتٍ بين المصدرين أنفسهم وبينهم وبين المستوردين، وأي توافقٍ بين البلدين سيكون له تأثير إيجابي مهمٌ.

ملف محاربة الإرهاب حول العالم يعد كذلك واحدًا من أهم الملفات، فالسعودية بلد الحرمين الشريفين وراعيتهما وحاميتهما ومهوى أفئدة المسلمين حول العالم وقبلة صلاتهم وموطن حجهم وعمرتهم، وروسيا العضو المراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي وفيها ما يقارب الثلاثين مليونًا من المسلمين الروس، والدولتان ترفضان جماعات الإرهاب والجماعات الأصولية ومنها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وغيرهما العشرات من الجماعات والتنظيمات التي تملأ العالم شرورًا، ومن هنا جاء لقاء ولي ولي العهد بالرئيس الشيشاني رمضان قديروف وكذلك برئيس شورى المفتين لروسيا ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية الشيخ راوي عين الدين.

في الملف اليمني استطاعت روسيا تقديم دعمٍ للتحالف العربي هناك وهي بدايةٌ مشجعةٌ لإكمال الملف اليمني والأزمة اليمنية التي تعاني في جنيف من تعنّت حركة الحوثي وخلافاتها مع أتباع المخلوع علي عبد الله صالح، والموقف الرافض للإقرار بقرار مجلس الأمن 2216 في مقابل إصرار الحكومة الشرعية ووفدها على تنفيذ بنود القرار وخروج ميليشيات الحوثي وأتباع المخلوع من المدن وعودة الشرعية وهدنةٌ في رمضان يمتنع خلالها الحوثي وصالح عن قتل الشعب اليمني المضطهد والمظلوم.

بناء على ما تقدم فثمة مؤشرٌ على إمكانية رسم حلٍ للأزمة السورية مستقبلاً يمكن لروسيا أن توافق عليه ضمن صيغة سياسيةٍ توافقية دولية وإقليمية لا تتدخل فيها إيران وإنما يكون هدفها إنقاذ الدولة السورية والشعب السوري من النظام الأسدي المجرم بأسلحته الكيماوية وبراميله المتفجرة ومن جماعات العنف والإرهاب والأصولية التي انتشرت وتفشت برضا النظام ورغبته وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.

إن أي حلٍ في سوريا يتضمن إشراك الجماعات الإرهابية أو الجماعات الأصولية بأي شكلٍ من الأشكال ستكون له تبعاتٌ بالغة الضرر على مستقبل سوريا وشعبها، فهذه الجماعات من «داعش» إلى «النصرة» إلى «الإخوان» كلها تنطلق من نبعٍ واحدٍ في خطابها وآيديولوجيتها وعنفها وإرهابها، والفروق بينها فروق في الدرجة لا في النوع، والنموذج المصري بعد إسقاط نظام الإخوان هناك خير مثالٍ، إذ انصهرت كل التنظيمات والجماعات هناك في بوتقة إرهاب مجرمٍ واحدةٍ.

سوريا بلدٌ متعدد الطوائف والمذاهب والعرقيات، ولا يمكن للمتطرفين المنضوين تحت هذه الرايات المتخلفة والذين يرفعونها شعارًا ويضمرونها عقيدةً أن يكون لهم دورٌ في مستقبل سوريا، بل مستقبلها يكمن في حكمٍ مدني توافقي يقرّ بحقوق الأقليات وحمايتها قبل أن يسلم الحكم للأكثرية.

بعد عقودٍ من التطاول الإيراني في المنطقة وتحديدًا على الدول العربية أصبحت تجد في التحالف العربي في عاصفة الحزم رادعًا لها، وهي تخسر في معظم الجبهات، على الأرض ألقت بميليشيات الحوثي وأتباع صالح في أتون حربٍ لا قبل لهم بها، وهم يعانون في جنيف من فضيحةٍ دوليةٍ تبين إجرامهم على الشعب اليمني والدولة اليمنية، وهي ألقت بميليشيات حزب الله والمرتزقة من العراق وإيران وأفغانستان في أتون الحرب في سوريا والنظام هناك يضعف ويتقهقر وحزب الله تنكسر شوكته، وهي تخسر أمام الإرهاب الطائفي الذي صنعته على عينها بشقيه السني والشيعي.

إن الاختراق السياسي الذي تصنعه السعودية بتطوير علاقاتها مع روسيا الاتحادية يمنح السعودية قوةً أكبر في الصراع مع الطموحات الإيرانية في التوسع والنفوذ وهي لو تلاها تواصلٌ مع دول وسط آسيا ستحكم الحبل حول عنق الملالي الطائفيين في طهران، وإبراز ملفات الأقليات المضطهدة في إيران سيكون له دور مؤثرٌ في إشغال إيران بنفسها بعيدًا عن نشر الاضطرابات والأزمات في الدول العربية.

على الرغم من المحاولات المستميتة للإدارة الأميركية للتوصل لاتفاق مع طهران يشكل مخرجًا مشرفًا لرئيس بلا منجزاتٍ فإن الخارجية الأميركية اضطرت تحت المعلومات المتوافرة للإقرار بأن طهران تدعم الجماعات الإرهابية، وطهران سعت مؤخرًا للتواصل مع حركة طالبان الإرهابية وهو ما سيثير عليها باكستان وحكومة أفغانستان، ومن هنا يمكن إقناع روسيا برعاية طهران للإرهاب وجماعاته في المنطقة والعالم، وهو ملفٌ له أولويةٌ مهمةٌ لدى صانع القرار الروسي.

أخيرًا، فإن زيارة ولي ولي العهد السعودي الناجحة لروسيا تفتح صفحةً جديدةً في العلاقات، وهي تمّت بتوجيه من الملك سلمان وضمن رؤيته وحكمته، وسيليها زيارات متبادلةٌ لقيادة البلدين.

(عن الشرق الأوسط السعودية- الأحد 21 حزيران/ يونيو 2015)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع