كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" معلقة على
المسلسلات الرمضانية التي تعرض هذا الشهر في
مصر، ولفت انتباهها مسلسل "حارة
اليهود"، الذي يتحدث عن الجالية اليهودية في مصر، وعلاقتها بدولة إسرائيل، وموقف المجتمع المصري من اليهود وعلاقات الناس بينهم.
ويقول الكاتب ديفيد كيرباتريك في بداية تقريره إن "المشهد هو حارة اليهود في القاهرة في عام 1948، ولدى ليلى هارون أخبار لوالديها، فقد قرر موسى الهجرة إلى دولة إسرائيل الجديدة، رغم الحرب مع مصر وحلفائها العرب. وتصرخ ليلى في غرفة الجلوس الرائعة: (ابنكما خائن). وتضيف: (لقد أنجبتماه ليكون يهودي مصر وليس يهوديا إسرائيليا، ولن يكون كذلك".
وتقول الصحيفة إن ما كشفت عنه ليلى يبدأ أحداثا مركزية في مسلسل يتحدث عنه الجميع في مصر من بين المسلسلات التلفزيونية التي تعرض في رمضان، وهو مسلسل "حارة اليهود"، الذي "أدهش المصريين بمعاملته المتعاطفة مع يهود مصر وتصويره لمعارضته الحارة للصهيونية".
ويشير التقرير إلى أن الأشرار في المسلسل هم الإسلاميون، الإخوان المسلمون، وليس اليهود، وأبرز حب ليلى لضابط مصري مسلم، الذي يحتفل به كونه بطلا داخل الحارة. وتم حذف دور الجيش المصري في طرد اليهود من مصر، وذلك أثناء حكم جمال عبدالناصر، وتم إهماله بشكل كامل في المسلسل.
ويذكر الكاتب أن الحلقة السابعة من مسلسل مجموعه 30 حلقة عرضت يوم الثلاثاء، ويعد المسلسل الأول من نوعه الذي ينتج في مصر منذ أكثر من 60 عاما، وقد قدم الشعائر اليهودية وصلواتهم في الكنيس، وتقاليد السبت التي يتبعونها.
وتبين الصحيفة أنه على خلاف النبرة المعادية للسامية التي طبعت التلفزيون المصري ولعقود طويلة، أثنت السفارة الإسرائيلية في القاهرة على الحلقات الأولى منه. وكتبت معلقة على صفحة السفارة في"فيسبوك": "يظهر اليهود في وضع إنساني حقيقي وأنهم بشر قبل أي شيء، ونرحب بهذا".
ويعلق كيرباتريك أنه بعد أربع سنوات من الاضطرابات بما فيها ثورة الربيع العربي التي وعدت بإنهاء الاستبداد المدعوم من الجيش، وعودة العسكر قبل عامين، والإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب، فقد أثارت حلقات المسلسل نقاشا حادا حول مصر واليهود. فبالإضافة إلى الحديث عن وضع اليهود في مصر تم الحديث عن هوية مصر، سواء المفتوحة الكوزموبوليتية أم القومية الدينية.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن البعض أطرى على "حارة اليهود" لاحتفاله بالقيم التشاركية والجمعية التي سادت أثناء الحكم الملكي المدعوم من بريطانيا، ورأوا في يهود مصر تشخيصا للثقافة الليبرالية التي دمرها جمال عبد الناصر.
وتستدرك الصحيفة بأن الكثيرين قد هاجموا المسلسل، وبلغة معادية للسامية واضحة، حيث إنه "أظهر اليهود على أنهم أفضل من المصريين"، كما علق مشاهد على صفحة المسلسل على "فيسبوك". وعبر البعض عن معارضتهم لمسألة زواج ضابط مسلم من يهودية، فعلاقة الحب بينهما هي جزء من حبكة المسلسل.
ويلفت الكاتب إلى أنه من جانب آخر، فقد ناقش إسلاميون وآخرون أن المسلسل يعكس العلاقة القوية بين نظام عبد الفتاح السيسي وإسرائيل ضد قوى الإسلام السياسي منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
ويشير التقرير إلى أن قناة "الجزيرة" قد علقت هذا الأسبوع في تقرير لها على استقبال الصحافة الإسرائيلية للمسلسل، وقالت إنها تعاملت معه على أنه "ثمرة للعهد الجديد في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الانقلاب". وربطت بعض الصحف الإسرائيلية بين العلاقة القوية للسيسي وإسرائيل في معارضة الحركات الإسلامية. وقالت امرأة في التقرير: "كيف يتم بث هذا المسلسل للعالم الإسلامي ولبلد مسلم، رغم أن هؤلاء يعدون أعداء المسلمين؟".
وتورد الصحيفة أنه لم يبق من الجالية اليهودية في مصر إلا عدد قليل، وانتقدت رئيسة الجالية ماجدة هارون المسلسل لمبالغته في تصوير ثراء اليهود والحارة التي يعيشون فيها، وعدم وضع التوراة في الكنيس، وانتقدت أيضا زي الفتاة اليهودية التي ظهرت في لباس كاشف وغير مناسب. وقالت إنه "ربما كانت الملابس والتنانير قصيرة في ذلك الوقت، ولكن فتحة في جانب الفخذ؟ لا أعتقد هذا".
ويذكر كيرباتريك أن اليساريين اتهموا القائمين على المسلسل بتقديم صورة خاطئة عن الشيوعيين السابقين، وتصويرهم على أنهم صهاينة في السر، وهو اتهام وجهه لهم الإسلاميون والوطنيون المنافسون لهم. وقالت هارون، التي كان والدها شيوعيا على صفحتها في "فيسبوك" إن المسلسل يصور اليهود الشيوعيين على أنهم "يتلاعبون بعقول المصريين لتحويلهم للصهيونية".
وبحسب التقرير، فإن الناصريين والجيش يحظون بالمعاملة الأفضل في المسلسل. وتقول الوقائع التاريخية إن الناصريين والوطنيين كانوا هم من قادوا المقاومة ضد دولة إسرائيل. وفي "مصر الجديدة" عامل الجيش ومن يؤيده اليهود في القاهرة على أنهم كبش فداء.
وتستدرك الصحيفة بأن المسلسل يحذف دور الوطنيين في حرب اليهود، ويلقي اللوم بالكامل على الإخوان المسلمين، ويلفت إلى أن الجماعة كانت مهتمة بتفجير الأحياء اليهودية أكثر من مقاتلة إسرائيل. وصور مؤسس الجماعة حسن البنا في المسلسل بأنه أضحوكة، حيث قال "الجهاد ليس في فلسطين، ولكن الجهاد هنا ليس أقل من الجهاد هناك". وفي نبرة ترشح منها نظرية المؤامرة يطالب البنا بتحريم الكوكا كولا، وبيع طابع يحمل صورة الأقصى، وقيمته قرش للمصريين ولصالح الجهاد في فلسطين.
وينقل الكاتب عن مخرج المسلسل وابن أخ كاتب المسلسل محمد العدل قوله إنه ليس مقتنعا بدور عبد الناصر في طرد اليهود من مصر، هو عبد الناصر ولكن الحلقات تنتهي قبل وصوله إلى السلطة، ولهذا "لا أستطيع أخبرك شيئا عن شيء لا أعرفه"، ويستدرك: "ومع ذلك أشك في هذا". وقال إنه يشعر بالدهشة من دعم السفارة الإسرائيلية في القاهرة للحلقات "فالحلقات لا تدعم الإسرائيليين، ولكنها ضدهم، إن إسرائيل هي العدو الأول لمصر"، ولكنه أكد أن "حارة اليهود" كانت صادقة مع التاريخ.
وينوه التقرير إلى أن المسلسل يعد واحدا من المسلسلات التي تعرض في رمضان وعلى اكثر من محطة وفي ساعات مختلفة من الليل والنهار. وقد اتسمت حلقات المسلسلات في مواسم رمضانية سابقة بالعداء للسامية، ومن أشهرها "فارس بلا حصان" (2002)، الذي قام على كتاب بروتوكولات حكماء صهيون. و"رأفت الهجان" (1988) وهو مسلسل جاسوسي. وكوميديا "فرقة ناجي عطا الله" (2011)، وهي عن حارس للسفارة المصرية في إسرائيل يسطو على بنك هناك انتقاما من احتلال الاراضي الفلسطينية.
وتوضح الصحيفة أن اسم المسلسل جاء من الحارة التي كان يقطنها اليهود في القاهرة. ويصور المسلسل التعايش بين المسلمين واليهود في بدايته، حيث يلجأ الجميع إلى كنيس هربا من الغارات الإسرائيلية. وتبدأ قصة حب بين ليلى اليهودية وعلي، الذي يذهب إلى ميدان المعركة ثم يعود بطلا، ولكن الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويعذبونه. وفي أثناء هذا يتسلل موسى شقيق ليلى إلى إسرائيل ويصبح مستوطنا. ومن ثم تبدأ حملة عنف ضد اليهود بقيادة الإخوان المسلمين.
ويورد كيرباتريك أنه رغم لعب المسلسل على نمطية الجشع اليهودي، إلا أن المحاضر في جامعة ستانفورد الأمريكية جويل بينين، الذي كتب عن تاريخ اليهود في تلك الفترة، يقول إنه أقرب للحقائق من أي شيء ظهر في الإعلام الجماهيري المصري سابقا. ويقول إن "معظم اليهود في مصر اعتبروا أنفسهم مصريين أولا وليسوا صهاينة".
وتختم "نيويورك تايمز" بالإشارة إلى ما قالته لوسيت لاغاندو اليهودية التي ولدت في مصر، وقد ألفت مذكرات "الرجل ببدلة الشركسين"، إن شعبية المسلسل تنبع من الرغبة في العودة إلى أيام التآلف القديمة، مشيرة إلى أن حذف دور عبد الناصر "يمثل مشكلة، أليس كذلك، لجميع من عانى مباشرة في ظل حكم عبد الناصر".