يخوض النظام في
مصر معركة غير خافية من أجل السيطرة على
المساجد منذ الانقلاب العسكري، وجعلها دور عبادة فقط لأداء الفرائض الخمس، وإقصائها عن لعب أي دور فكري أو اجتماعي أو جماهيري.
ويرى عدد من علماء
الدين والمفكرين والسياسيين أن السلطة تغامر بتغذية
التطرف الفكري والديني، من خلال تهميش دور المساجد، وحظر الخطابة، وفصل آلاف الأئمة، وتوحيد خطبة الجمعة، وتحويلها المساجد إلى مراكز دينية خاضعة لهيمنة وسيطرة السلطة وتوجهاتها.
المساجد في المواجهة
ويقول الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة والأستاذ بجامعة الأزهر، جمال عبد الستار، إن "المساجد نالت القسط الأكبر من التضييق والمداهمات وسن القوانين وفصل الأئمة منذ الانقلاب العسكري، لتحطيم رمزية وقدسية المكان لدى نفوس المصريين".
وأضاف لـ"عربي21": "المساجد هي شعار الإسلام الرئيس؛ ولذلك سعى عبد الفتاح السيسي إلى السيطرة عليها، لتحويل دور العبادة إلى مُصلى وأداء الفرائض، وإلغاء أي دور تثقيفي أو تنويري أو اجتماعي وخيري لها".
وانتقد عبد الستار استخدام السيسي عبارة "تجفيف منابع الإرهاب"، ورأى أنها تهدف "لتجفيف القيم والهوية الإسلامية؛ فهو (السيسي) بطبيعته ضد مفهوم تكريس الفكر الإسلامي، وضد أي دور له في المجتمع"، حسب تعبيره.
وتوقع عبد الستار فشل كل المحاولات التي تهدف لإخراج المسجد من المعادلة الاجتماعية والسياسية، وقال إن "التاريخ يقول إذا حورب الإسلام؛ فإنه ينتفض ويقوى، ويجعله أكثر تماسكا".
وحذر عبد الستار "من خطر ارتداد المكر السيئ على أهله، بتحفيز التطرف، وتغذية الفكر التكفيري خارج إطار المسجد، في ظل انسداد الأفق، والعمل في الخفاء"، وفق قوله.
دور الدولة تجاه المساجد
في المقابل، نفى وكيل وزارة
الأوقاف لشؤون الدعوة، الشيخ محمد عز الدين، أن تكون السلطة بصدد خوض معركة في المساجد للسيطرة عليها، وقال إنها تهدف لضبط أوضاعها فقط.
وأوضح عز الدين لـ"عربي21": "نقوم على حماية مساجدنا التي تخضع تحت إشرافنا، وتمكنا من ضم جميع المساجد تحت مظلة وزارة الأوقاف، ولا يوجد خطيب يصعد إلى المنبر إلا أزهري وبتصريح من وزارة الأوقاف".
وأكد أن وزارة الأوقاف "تعمل على تقنين أوضاع إدارة المساجد، لعدم وقوعها في يد غير المتخصصين، وإفساد على الناس دينهم وفكرهم ومعتقداتهم" حسب تعبيره، مشيرا إلى "قيام الوزارة بملء الفراغ من خلال الدروس والقوافل الدعوية".
ووصف عز الدين ما أنجزته الوزارة حتى الآن "بالإنجاز الكبير الذي شارف على الاكتمال بسبب الجهود المستمرة، التي لا تكل في اتجاه تصويب الخطاب الديني".
وأكد أن الوزارة "قامت بحملة ضد المكتبات بالمساجد والتخلص من الكتب التي تدعو للغلو والتطرف، من خلال لجان متخصصة تقوم على تنقية المكتبات من كل غث لا ينفع الناس"، وفق قوله.
معركة تفريغ المسجد من محتواه
لكن رئيس حزب الأصالة، إيهاب شيحة، يرى أن "معركة" المساجد في مصر موجوده قبل ثورة يناير وبعد الانقلاب العسكري.
وأصاف لـ"عربي21": "هي معركة قديمة حديثة، بين فريقين، فريق يريد أن يفرغ المسجد من محتواه ويقضي على رسالته، وفريق يؤمن بدور المسجد في بناء الإنسان والأمة".
وأكد أن النظام في مصر "يسعى للسيطرة على المساجد أمنيا، وتحويلها إلى ثكنات أمنية، تمنع فيها الدروس الدينية وتعليم الناس دينهم ووضعهم على المنهاج الرشيد، للوصول إلى النضج ومعرفة الحقوق والواجبات"، وفق تقديره.
ورأى شيحة أن "الدين الإسلامي يدخل في تكوين حياة الإنسان المسلم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ولا يجوز فصله عنهم، ومن يقول بفصل الدين عن السياسة هم أول من يوظفون الدين لخدمة سياستهم، وجعله أداة في يدهم لتحقيق أغراضهم السياسية وغير الدينية".
السيطرة على المساجد وهم
أما الأكاديمي الفلسطيني والباحث في التاريخ الإسلامي، بشير نافع، فقد رأى أنه لا أحد بمقدوره السيطرة على المساجد، ولا يمكن لأي نظام إخضاعها لرؤيته طوال الوقت".
وقال لـ"عربي21": "لم يحدث في تاريخ العالم الإسلامي كله، وفي أكثر الأنظمة قمعية، أن تمت السيطرة على المساجد بشكل كامل. وما يحدث هو السيطرة على وظيفة الإمام، وعمل الخطيب".
وأضاف أن ما تقوم به وزارة الأوقاف المصرية الآن من إجراءات "قامت به الأنظمة السابقة في فترة الخمسينيات وما تلاها من فترات، ليس في مصر فحسب، بل وفي العراق وليبيا وتونس وغيرها، وكلها تجارب أثبتت فشلها"، حسب قوله.
وأكد نافع أن "لا أحد يستطيع أن يسيطر على عقول الناس وما تريده"، محذرا من "تضييق هامش الحرية في المجتمع الذي سيدفع بعناصر في أطراف التيارات السياسية إلى التطرف والراديكالية".
ورأى أن "الأنظمة التي تقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين هي من تقوم بمحاولة السيطرة على الدين، وتوجيهه كما تريد من خلال أجهزتها ومؤسساتها".