كتب فهد الخيطان: حسنا فعل وزير الشؤون السياسية والبرلمانية د. خالد الكلالدة، عندما تعامل بإيجابية مع النافذة الصغيرة التي فتحها قادة في جماعة
الإخوان المسلمين "غير المرخصة"، لتسوية وضع الجماعة القانوني، بعد ترخيص "جمعية" تحمل الاسم ذاته تقريبا لمجموعة من قيادات الجماعة التاريخية، على رأسهم المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات.
كان يمكن تفادي كل هذا الجدل والانقسام، لو أن قيادة الجماعة بادرت في وقت مبكر إلى تصويب وضعها القانوني، وقطعت الطريق على ما تسميه "الانقلاب الرسمي" من قبل الدولة عليها.
لكن، "أن تأتي متأخرا خير من ألّا تأتي أبدا". قيادة الجماعة لم تدرك اللحظة التاريخية، وفوتت على نفسها الفرصة. وعلى الحكومة ومؤسسات القرار ألا تفعل الشيء ذاته.
ثمة اتجاه رسمي يدفع بتبني خيار التشدد مع الجماعة غير المرخصة، رغم سيطرتها على غالبية التنظيم الإخواني. هذا الاتجاه واقع تحت تأثير النموذج الحالي في
مصر.
ينبغي هنا أن نقف ونفكر مليا. لسنا مصر، ولا نريد أن نكون مثلها. تاريخ العلاقة بين النظام السياسي الأردني وقواه الحزبية والمعارضة، ليس بمثل تاريخ مصر. تاريخ الإسلاميين مع حكام مصر مجبول بالدم والمعتقلات، والعمليات الإرهابية. لم تكن الحال كذلك في الأردن؛ لا مع الإسلاميين، ولا مع غيرهم. الأردن كان وما يزال مدرسة يتعلم فيها الآخرون فن إدارة العلاقة مع المعارضة.
مصر تغرق في الفوضى. لا أحد يريد لها هذا المصير، لكن النظام في القاهرة أغلق الأبواب والنوافذ في وجه الجميع، والإخوان أيضا أخذتهم العزة بالإثم.
نظام
السيسي ليس نموذجا يحتذى، الأردن هو النموذج، الملك عبد الله الثاني بحكمته التي قادت الأردن إلى بر الأمان، هو النموذج الذي ينبغي على المصريين وسواهم من العرب أن يقتدوا به.
على الإسلاميين هنا أن يدركوا ذلك، ويتجنبوا الخطوات والخطابات الاستفزازية التي تخرج الدولة عن طورها.
اللحظة مناسبة؛ الطرفان مستعدان للجلوس إلى الطاولة للبحث عن مخرج لعقبة الاسم والترخيص. فلنستغلها فورا قبل أن يعمد البعض إلى إفسادها.
ليس مستحيلا الوصول إلى تسوية. الحزب بيد الجماعة غير المرخصة، ويمكنها ممارسة دورها السياسي، وهو الأهم، عبر هذه الأداة. هذا ليس بالأمر الهين، وينبغي أن يتقدم على سواه من الاعتبارات. ويمكن في الوقت نفسه تشكيل جمعية أو أكثر للأعمال الخيرية، على غرار القائم من الجمعيات في الأردن.
المهم، وقبل كل شيء، أن تعلن الجماعة غير المرخصة الطلاق الكامل مع المرجعيات الخارجية، وتتحول إلى جماعة وطنية أردنية، دون أن تتخلى بالطبع عن مواقفها من القضايا العربية المصيرية، تماما كما هي حال الأحزاب السياسية الأخرى في البلاد، وتغادر المنطقة الرمادية فيما يخص موقفها من الجماعات الإرهابية التي تهدد العالم العربي برمته.
وينبغي على الحكومة أن تخلص النيات، وتسهل الطريق لتوافقات حول حلول ممكنة، تبقي الجماعة فوق الأرض لا تحتها.
مرة أخرى: لسنا مصر، ولا يتحمل الأردنيون رؤية الدم.
(عن صحيفة الغد الأردنية 8 تموز/ يوليو 2015)