هجمات تنظيم الدولة في سيناء تفتح صفحة جديدة من العنف في مصر (أرشيفية) - تويتر
على الرغم من الدروس المستقاة من الماضي، يعول زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي على الطائرات المقاتلة، والاعتقالات الجماعية، وأحكام الإعدام في التصدي لمسلحي تنظيم الدولة في حملة قد تطيل أمد الاضطرابات.
وعلى النقيض من الرئيس الأسبق حسني مبارك -الذي انتهج أسلوبا أكثر هدوءا أغرى حتى أشد معارضيه على الميل للمهادنة في التسعينات- يتسم رد فعل السيسي بالمواجهة الكاملة.
تحرك السيسي بلا هوادة أمام الإسلاميين منذ قام بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة عام 2013.
ومع هذا ينفذ مسلحون، مقرهم سيناء، بايعوا تنظيم الدولة، هجمات تتسم بالجرأة على قوات الأمن، ما فتح صفحة جديدة خطيرة في الصراع القائم منذ عقود بين الدولة المصرية والإسلاميين.
وتوجد مؤشرات متنامية على أن ضغوط السيسي المستمرة على الإخوان المسلمين شجعت بعض العناصر الشابة في الجماعة على حمل السلاح في مواجهة الدولة، ما يعقد الجهود الرامية لتحسين الأمن في البلاد.
ويقول منتقدو السيسي إنه يخاطر باستعداء المزيد في مصر؛ حيث قتل مسلحو التنظيم مئات من أفراد الجيش والشرطة منذ الانقلاب على مرسي، في حين كان مبارك يعتمد في الأساس على الشرطة في التصدي لتهديدات "الجماعة الإسلامية"، خصمه الرئيسي.
غير أن السيسي أطلق يد الجيش مخولا له استخدام أقصى قوة، لكن هذا لم يحرز نجاحا كبيرا -فيما يبدو- في شبه جزيرة سيناء.
هجمات جريئة
تمثل شبه جزيرة سيناء منذ فترة طويلة مبعث قلق أمني بالنسبة لمصر وجيرانها، إلا أن الانقلاب مرسي أطلق العنان لموجة عنف جديدة دخلت في قالب تمرد إسلامي.
ونفذ المتشددون عدة عمليات كبرى في الشهور الأخيرة، ما كشف عن ثغرات في أكبر جيوش العالم العربي، وهو جيش تزيد خبرته في الحروب التقليدية عن الخبرة في التصدي لحركات تمرد، في حين أضعفت التكتيكات بالغة الصرامة جماعات المسلحين في الماضي، لكنها لم تضمن قط هدوءا دائما.
ويواجه السيسي الآن "ولاية سيناء" التي أعلنت البيعة لتنظيم الدولة، واتصال هذه الجماعة بالتنظيم المتشدد، الذي وسع رقعة أراضيه من العراق وسوريا إلى ليبيا الواقعة على أعتاب مصر، قد تعني مزيدا من التمويل والدعم اللوجيستي والتدريب.
وعلى النقيض من "الجماعة الإسلامية" التي سعت للإطاحة بالحكومة من قبل.. تريد جماعة ولاية سيناء إرساء موطئ قدم في سيناء، في إطار خطة الدولة لإقامة خلافة تضم دول العالم الإسلامي، دون حدود تفصل بينها.
ورغم أن تنظيم الدولة لا يشكل خطرا على حكم السيسي، إلا أن تغلغلها في بقية أنحاء مصر، أو حتى شن هجمات على سياح أجانب، على غرار الهجوم على فندق بمنتجع سياحي في تونس، قد يسبب أثرا مدمرا على قطاع السياحة.
ومن شأن هذا أن يقوض الجهود الرامية لإعادة بناء الاقتصاد المصري الهش بعد الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بمبارك عام 2011.
ومن المرجح أن يضرب السيسي المسلحين بقوة أكبر بعد اغتيال النائب العام الأسبوع الماضي في هجوم حمل بصمات العناصر المتشددة.
وتتابع إسرائيل أيضا الوضع عن كثب؛ إذ يقول شاؤول شاي، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن السيسي يتخذ خطوات مهمة، مثل التواصل مع بدو سيناء لحشدهم خلف الجيش، مستبعدا أي علاج سريع، بقوله إن "من يعتقد أن هناك حلا سحريا لا يتفهم الواقع. هذه عملية طويلة الأمد".
بيد من حديد
وتثير المجموعة المتبقية من الإخوان المسلمين أسئلة أمنية جديدة بالنسبة للسيسي، إذ كانت الجماعة محظورة رسميا، لكن السلطات كانت تغض الطرف عن نشاطها في عهد مبارك، وحين سمح مبارك لمسؤوليها بشغل مقاعد في مجلس الشعب كمستقلين تمكن من احتواء الجماعة.
وأتاح له هذا مزيدا من الوقت والجهد للتعامل مع المسلحين الضالعين في أحداث عنف، الذين استهدفوا سياحا أجانب ومسؤولين حكوميين كبارا.
لكن قوات الأمن في عهد السيسي قتلت مئات من أنصار مرسي في موقعي اعتصام رابعة العدوية والنهضة، وألقت القبض على آلاف آخرين، وصدرت أحكام على قياديين في الإخوان بالسجن لفترات طويلة، أو بالإعدام في محاكمات جماعية، ما يثير مخاوف متزايدة إزاء إقدام شباب الإخوان على الرد بزرع قنابل صغيرة في المدن.
بخصوص ذلك، قال أحد أعضاء فريق الدفاع عن قياديي الإخوان: "تسمعون شباب الإخوان يقولون إن هذه السلمية انتهت. سأدافع عن نفسي. ستتفجر موجة عنف. هذا ما أخشاه"، مضيفا أن مبارك "كان يستهدف الجماعات المسلحة، ولم يتحرك كثيرا لما هو أبعد من هذا. أما الآن فهناك عقاب جماعي والمجتمع قد ينفجر. وإذا انفجرت مصر.. فلننس العراق، ولننس سوريا".
وقالت وفاء حفني، الأستاذة الجامعية والعضو البارز بالإخوان المسلمين، إن الجماعة ما زالت ملتزمة بالسلمية، لكنها ترى أن منهج السيسي ينطوي على مخاطر، مضيفة القول: "في عهد مبارك كان كل شيء يحدث بهدوء، وكأن شخصا يرتق شيئا، ولا يمكنك أن ترى الرتق."
وقالت إن قياديي الإخوان الجدد الذين حلوا محل المخضرمين السجناء من أمثال مرسي يعكفون على نزع المركزية عن هيكل الجماعة، ما سيصعب على الحكومة تتبع الجماعة، في وقت تنخرط فيه قوات الأمن في حرب استنزاف مع ولاية سيناء التي غيرت اسمها من جماعة أنصار بيت المقدس.
وفي الأسبوع الماضي، نفذ حوالي 300 من أعضاء ولاية سيناء هجمات منسقة، أسفرت عن مقتل 17 جنديا و100 من المسلحين، وفقا للبيانات الرسمية، في معركة تعدّ من أشد معارك المنطقة منذ حرب عام 1973 مع إسرائيل.
بخصوص ذلك، قال إتش.إيه.هليار، الزميل المساعد بمركز بروكنجز لسياسات الشرق الأوسط: "في التسعينات كان يمكن أن نقول إن المتمردين تربطهم صلة بجماعات أخرى على الساحة الدولية، لكنها لم تكن قطعا الصلة الوثيقة ذاتها التي نراها اليوم مع أنصار بيت المقدس في سيناء."
ولأول مرة منذ تولى الرئاسة قبل عام تقريبا، ارتدى السيسي الزي العسكري خلال زيارة لسيناء هذا الأسبوع، وهون من شأن الخطر الأمني، قائلا لقواته إن الأمور مستقرة تماما.
أما تنظيم ولاية سيناء فيبدو أكثر ثقة، كما يظهر من التسجيلات المصورة التي نشرها على الإنترنت خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ يظهر في أحد هذه التسجيلات صف طويل من المقاتلين وهو يستعرض قدراته في جزء من سيناء، مستخدما البنادق الآلية والقذائف الصاروخية.
وقال مسؤول مصري: "في التسعينات كانوا يخوضون معركة من أجل البقاء. أما الآن فيتوسعون ليحتلوا أراضي ويشكلوا إمارات الدولة الإسلامية".