نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمترجمة
إيران بانفشيه كينوش، التي ترجمت لأربعة
رؤساء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكشفت فيه عن رغبة إيرانية منذ الثورة ضد الشاه عام 1979، بتحسين
العلاقات مع العدوة اللدودة أمريكا، التي تخوض معها اليوم والدول الكبرى محادثات حول ملفها
النووي.
وقالت كينوش إن "موقف إيران من الولايات المتحدة، يشبه موقف شخص يحن لحبيب بذيء. ففي الوقت الذي تعلن فيه طهران عن احتقارها لواشنطن، إلا أنها ترغب ببناء علاقة شراكة معها. وكما هو معروف فإن الخط الفاصل بين الحب والكره عادة ما يكون رقيقا".
وتضيف الكاتبة: "خذ مثلا أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979، فعندما قام المتشددون في الثورة باقتحام السفارة الأمريكية، واعتقلوا الدبلوماسيين فيها مدة 444 يوما،وأدى الحادث إلى انقطاع العلاقات بين البلدين، فإن العملية دفعت البلدين للحديث مع بعضهما من خلف الأبواب".
وتتابع كينوش: "قادت المحادثات السرية في الجزائر إلى اتفاق عام 1981، من أجل إنشاء محكمة أمريكية إيرانية في هيج بهولندا؛ لتسوية الأرصدة الأمريكية التي قامت الثورة الإيرانية بمصادرتها. وقد تعاملت إيران مع المحكمة على أنها وسيلة لتخفيف التوتر بين البلدين. وفي الوقت الذي لم تقم فيه الولايات المتحدة بالإفراج عن الأرصدة الإيرانية في أمريكا، التي قدرتها طهران بمليار دولار، فقد وعدت واشنطن بعمل هذا عندما تتم تسوية كل شيء".
وتقول الكاتبة: "عملت مترجمة للمحكمة في هيج مدة سبع سنوات، وقد أعجبت بالمهنية التي قامت بها لجنة التحكيم، التي شارك فيها محامون أمريكيون وإيرانيون من مستويات عليا".
ويشير التقرير إلى أن الإيرانيين كانوا ينفقون بكرم من أجل الاستعانة بالمحامين البريطانيين للدفاع عنهم. وفي النهاية قبلوا بنتائج التحكيم التي كانت ضدهم، ودفعوا مبلغا ماليا كبيرا تعويضا عن الأضرار التي تسببوا بها للمواطنين والشركات الأمريكية.
وتواصل المترجمة قائلة: "أيا كانت نظرتنا للقادة الإيرانيين، فمن خلال تجربتي رأيت أنهم كانوا راغبين بإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. فقد عملت مترجمة لأربع رؤساء إيرانيين، واطلعت عن كثب على كيفية محاولة كل واحد منهم تحقيق هذا الهدف".
وتبين كينوش أن الرئيس "علي أكبر رفسنجاني، في الفترة ما بين 1989 – 1997، بدأ محادثات سرية مع الأمريكيين للحصول على السلاح أثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، ما أشعل ما عرف بفضيحة إيران كونترا. وبعد حرب الخليج عام 1991 بين الولايات المتحدة والعراق، قمت بالترجمة له في مؤتمر بطهران، عندما تحدث رفسنجاني مع مجموعة من الخبراء الأمنيين الأجانب، وقال: (إيران يمكنها أن تقبل بواقع وجود الأمريكيين العسكري في الخليج الفارسي)، مع أن إيران في خطابها العلني كانت تعارض وجودهم".
وعن الرئيس محمد خاتمي تقول: "عندما زار الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) نيويورك في عام 1997، أظهر قدرا من الاحترام للتاريخ الأمريكي، عندما تحدث عن الآباء المؤسسين؛ الحجاج الذين استقروا في بليموث، ماساسوشيتس في القرن التاسع عشر. وأراد خاتمي تأكيد أن كلا من أمريكا وإيران لهما جذور دينية".
وتفيد المترجمة في تقريرها، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه جاء بعد خاتمي الرئيس محمود أحمدي نجاد، وتقول عنه: "خليفة خاتمي" محمود أحمدي نجاد (2005-2013) ذهب بعيدا وحمل القرآن والإنجيل في يديه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2010؛ ليظهر التراث الديني المشترك لكل من الولايات المتحدة وإيران. وعادة ما تحدث نجاد بلغة صدامية، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لكنه خفف من ضجيجه حول الملف النووي، عندما وصل باراك أوباما إلى الحكم".
وتورد كينوش أن "أحمدي نجاد"، مثل خاتمي، طلب زيارة موقع الذكرى في نيويورك، الذي أقيم على أنقاض مركز التجارة العالمي، لتذكر ضحايا هجمات تنظيم القاعدة عام 2001. وفي رسالته إلى الرئيس جورج دبليو بوش، التي طلب فيها عام 2006 تحسين العلاقات، أشار وبشكل حميمي إلى الإنجيل. ولاحقا أشار أحمدي نجاد إلى الرئيس أوباما (بسيادته)، خلال خطاب ألقاه في الأمم المتحدة، وأتذكر مساعدا شكرني، لأنني ترجمت الكلمة بشكل صحيح".
وعن الرئيس الرابع تقول الكاتبة: "عندما أصبح حسن روحاني رئيسا عام 2013، طلب التحدث بالهاتف مع أوباما، وطرح فكرة المصافحة بينهما. وحصلت المكالمة، لكن لم يحصل روحاني على المصافحة. وفي الوقت ذاته سألني مساعد لروحاني إن كنت أعرف مسلما من ضمن طاقم الرئيس، ما يظهر أنه كان يريد إقامة علاقة مع القيادة الأمريكية".
وتلفت كينوش إلى أن روحاني أظهر لواشنطن رغبته في تسوية الملف النووي، ولكن ليس بصفته رئيسا، بل عندما قاد المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بصفته سكرتيرا للمجلس القومي الأعلى للأمن حتى عام 2005. فقد طلب روحاني من مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، التنسيق مع الأمريكيين، الذين كان ظلهم يحوم فوق المحادثات.
وتقول الكاتبة: "أخبرني وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أن الرسالة الشهيرة التي أرسلت بالفاكس، عندما اقترحت إيران على الولايات محادثات شاملة لتسوية الخلافات الأمريكية الإيرانية، أنها جاءت بعد أن أخبر طرف ثالث أن مساعد وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج، مستعد للحديث على قاعدة الاحترام المتبادل".
وتبين كينوش أن "ما عناه ظريف أن الروايات السابقة، التي قالت إن إيران تقوم بمبادرات فردية ليست صحيحة بالكامل. وأخبرني ظريف أن الفاكس كان ردا، وأن إيران عرفت متأخرة، بعد فشل الولايات المتحدة بالرد، أن الطرف الثالث ضللها".
وتضيف الكاتبة: "رفض ظريف الكشف لي عن هوية الطرف الثالث، وربما كان واحدة من الدول العربية على الخليج الفارسي. وأخبرني أحمدي نجاد أن أطرافا ثالثة، قالت إنها تتحدث نيابة عن الأمريكيين، اقترحت محادثات بين البلدين، وبعض هذه الأطراف كانت عربية".
وتتساءل كينوش: "ماذا تعني هذه اللفتات كلها، عندما لم يتوقف هتاف (الموت لأمريكا) في إيران؟".
وتؤكد الكاتبة أن "العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران اتسمت بالتعقيد منذ الانقلاب، الذي دبرته (سي آي إيه) ضد الحكومة الديمقراطية لمحمد مصدق. بالإضافة إلى تحفظات إيران من سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة دعمها لنظام حسني مبارك في الوقت الذي عارضت فيه حلفاء إيران مثل بشار الأسد، وكل ذلك باسم الديمقراطية".
وتختم كينوش تقريرها بالقول: "الآن، حيث تتقدم المحادثات بشأن الملف النووي، وتتقدم الولايات المتحدة وإيران نحو حافة النجاح أو الفشل، يشعر الساسة في إيران بالوصول إلى ذروة عملية طويلة، وفيها امتحان لجدية الولايات المتحدة في تقليل العداء مع الجمهورية الإسلامية".