في رأيي أن السؤال حصري ..
فحصر الأمر بين مجالي المذهبية والطائفية يشتت القارئ عن المجالات الأخرى السياسية، الاجتماعيةو التاريخية والإدارية... والحقيقة أنها أزمة مركبة من كل ذلك..
صحيح أن المنطقة دائمة التوتر نتيجة الاختلاف المذهبي.. لكنها أثقلت بالجراح عقودا نتيجة تأجيج الصراع المستمر من دوائر مستفيدة داخليا وخارجيا..
داخليا.. مثل:
1- رؤوس العشائر المتعصبة من الفريقين يظنون أن ذلك يحفظ لهم سؤددهم بين مريديهم.
2- تجار الفتنة الذين يستغنون ويستقوون بالأزمة.
3- جهات نافذة في السلطة ترى أن الإبقاء على التعامل الأمني مع الأزمة يضمن لها السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية بخلاف لو استتب الأمن والاستقرار..
خارجيا..
لقد احترفت فرنسا منذ احتلالها للجزائر على أربع استراتيجيات:
1- الإبادة وسياسة الأرض المحروقة.
2- التنصير وطمس الهوية وخاصة اللغتين العربية والأمازيغية.
3- سياسة فرق تسد.
4- زرع الطوائف واللعب على أوتارها ..
لكن وحدة الشعب الجزائري لم تسمح بنجاح باهر في الرابعة.. إلا أنه من الأهمية بمكان الاعتراف بما يأتي:
1- أنها وفقت في منطقة القبائل بالوسط الجزائري من تقوية فرقة تعلن وجودها بإعلان العداء للمكونات الهوية الإسلامية الجزائرية -تحت أعين السلطات.
2- وما تفعله من تقوية المد الشيعي في الجزائر حتى اخترق الأحياء، المساجد والجامعات –تحت عين السلطات.
3- وما عملت عليه أكثر من قرن -100 عام- في غرداية من إذكاء نكهة الطائفية بين بني ميزاب العرق الأمازيغي.. 300 إلى 350 ألف مسمة على المذهب الإباضي.
والشعانبة العرق العربي الممتد في أغلب الصحراء الشمالية حتى ليبيا وعلى المذهب المالكي..
وذلك بالعزف على ثلاثة أوتار حساسة :
أ- ترسيخ صفتي الخوارج للإباضية والوهابية للمالكية تماما كما فعلت في الشمال الجزائري بترسيخ الباديسية والوهابية مقابل الصوفية وعلاج ذلك بالبحث العلمي المتزن والطرح الأكاديمي المستبصر والمناظرات العلمية الهادئة تحت شعار "قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا".
ب- الإبقاء على تناظر الكتل البشرية من الفريقين في مساحات جغرافية ضيقة رغم شساعة الصحراء ..وترك الاحتقان الفكري والاجتماعي يعمل عمله ..والغريب أنها نفس السياسة المعتمدة لدى السلطات الجزائرية إلى اليوم رغم توفر الجزائر والمنطقة خاصة على موارد تأهلها لتفكيك الأزمة بكل سهولة..
ت- التخوين التاريخي بين الطرفين فكل منهما يتهم الآخر أنه "حركي" يعني عميل لفرنسا وأن بني ميزاب لم يقاوموا المحتل الفرنسي...وعلاج ذلك سهل كما اسلفنا فعندنا من الجامعات والكوادر العلمية والوثائق ما يفكك هذا الصاعق التاريخي الحساس بالبحوث العلمية الرصينة والمستقلة إن تطلب الأمر دون الرجوع إلى العصبية وحمية الجاهلية ..ومرة أخرى طول فترة الاستقلال وقفت السلطات متفرجة ولم تنجز شيئا يذكر بدليل فشلها الذريع في تفكيك الأزمة وحلها ..
دماء غرداية رسالة من فرنسا وشركاتها النافذة في الجزائر لأهالي الصحراء.
لا شك أن حملة "لا للغاز الصخري في الجزائر".. أربكت فرنسا ودقت ناقوس الخطر عندها وعند شركاتها.. ومستقبلها النفطي في الجزائر ..
وأنا أقول جازما إن ما حدث في غرداية افتعلتها يد جزائرية نافذة تابعة للأجندة الفرنسة كرسالة واضحة للجزائريين وخاصة أهالي الجنوب ..
"أن فتح ملف النفط والغاز والمساس بأحقية فرنسا فيه سيعرضكم ذلك للقلاقل وإذكاء الحروب الأهلية.. فأوراقنا التي صنعناها في الجزائر هي أقوى من أي وقت مضى".
نعم؛ لقد كانت أحداث غرداية الأخيرة عملية تأديبية للشعب الجزائري ولسكان الجنوب خاصة بعد حراكهم الواعي ضد استخراج الغاز الصخري ومعارضة المشاريع الفرنسية في بلدنا ..تماما كما عاقبوا تونس بأحداث سوسة وضرب قطاع السياحة تأديبا لهم على حملة " #وينو_البترول وحملة #حل_الدوسي " يعني فتح ملفات الفساد..
واختيار مدينة غرداية ليس اعتباطيا فهي مركز الجزائر الاستراتيجي.. إذ يحدّها شمالا حاسي الرمل أكبر حقول الغاز في العالم ورئة الجزائر ، وجنوبا حاسي مسعود قلب البترول الجزائري…وهي في منتصف الخط السيل الطاقوي الاستراتيجي.. من أوربا إلى حقول نفط نيجيريا..
أخشى ما نخشاه هو تمرير خطة تقسيم الجزائر وفصل صحراءها عن شمالها وفق الرغبة الفر نسية منذ 1945 بعيد الحرب العالمية الثانية والتي كانت سببا لفشل اتفاقية إيفيان 23 مرة قبل التوقيع عليها إذ كانت فرنسا مصرة على اقتطاع الصحراء عن الجزائر إلى أن اضطرت للتنازل عنها مؤقتا على أمل العودة إليها لكن هذه المرة قد تكون بحجة حماية الأقليات ..كما دخلت أول مرة بحجة نقل الحضارة الزائفة بجيش كان أغلبه جاهلا لا يكتب..
السلطات في "قفص الاتهام"
1- ماذا فعلت السلطات الجزائرية طيلة نصف قرن لتفكيك الأزمة في غرداية ؟
2- ما هو حض المنطقة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية ..لإزالة الاحتقان والشعور بالغبن؟
3- ما هو حضهم من أنهار النفط التي تجري من تحتهم؟
4- وضعت المنطقة تحت كثافة أمنية مشددة اكثر من 15 ألف عنصر شرطة ودرك.. من يتحمل الفشل الأمني؟ وما هي أسبابه؟
5- وضعت المنطقة بعد أحداث 2014 تحت رعاية الجيش ..كيف فشل كل هذا الفشل الذريع في تحقيق الأمن وتجنب الضحايا؟
6- ما هي الخطة الاستراتيجية الشاملة لتفكيك الأزمة وضمان عدم تكررها بل وعدم تركها ورقة لكل من يريد أن يلعب باستقرار المنطقة؟
أسئلة توجه لكل الأطراف والأطياف للتعجيل بالإجابة والعمل الجاد.. فقد علمتنا التجارب أن قطرة الدم إذا لم تُمسح دية أو قصاصا أو عفوا.. نادت أختها.
الحلول المقترحة
1- على السلطات استدعاء أولياء الدم من عائلات ضحايا الطرفين بعيدا عن الضغط وفرض الديات لهم من خزينة الدولة باعتبارها المسؤولة إداريا وأخلاقيا..
2- استدعاء أعيان الفريقين وإجبارهم التوقيع على ميثاق سلم وتعاون مع "جبر خاطر" للفريقين..
3- على أن تكون السلطات طرفا ممضيا وضامنا للاتفاق.
4- إشهاد الشعب الجزائري والعالم على الاتفاق وتحمل كل طرف مسؤوليته في تنفيذ بنود الاتفاق.
5- إنشاء هيئة متابعة للميثاق مستقلة من علماء وقضاة وممثل عن السلك الأمني.. لها صلاحيات تسليم الديات وجبر الخاطر والمساءلة ورفع التوصيات للسلطة والجهات المراقبة والإعلام.
6- تكليف أقسام علم الاجتماع والتاريخ والسياسة في الجامعات الجزائرية بالبحث في الأزمة وتحليلها وتقديم الحلول العلمية الناجعة وتسلّم لهيئة المتابعة المختصة..
7- التزام السلطات بتعيين جائزة مالية معتبرة لمن يقدم أفضل دراسة.
8- التزام السلطات بتعيين جائزة مالية معتبرة لأفضل شخصية سعت للإصلاح وتفكيك الأزمة..
9- لا بد للسلطات من فتح أبوابها أمام المواطنين لعرض المشاريع المخصصة للمنطقة ومناقشتها معهم لتنفيس الاحتقان وبعث الأمل.
10- على السلطات اتخاذ التدابير اللازمة للتوزيع الديمغرافي المريح والعادل فالجزائر واسعة ولله الحمد.
11- على السلطات إقرار النظام الاجتماعي للفريقين وتقنينه حتى لا تعترض الأحكام المدنية القضائية مع أحكام العرفية المتجذرة في الطرفين..
12- في المقابل على الفريقين إبداء الكثير من التفتح والشفافية أمام المجتمع الجزائري حتى لا يتخذ المغرضين مقولة "دولة في دولة" مطية للتهمة والتخوين...