يستعيد القلب التاريخي لمدينة
جدة رونقه وحيويته، مع عودة السكان القدامى إليه بعد ترميم بيوته القديمة وإدراجه رسميا على قائمة
التراث العالمي لليونسكو.
ويستضيف الوسط التاريخي للمدينة الواقعة على البحر الأحمر والتي تعد الأكثر تنوعا وانفتاحا في
السعودية لكونها منذ مئات السنين بوابة القادمين إلى الأراضي المقدسة، مهرجانا شعبيا خاصا بشهر
رمضان.
وكانت منظمة اليونسكو أدرجت وسط جدة العام الماضي على قائمة التراث العالمي، مقرة بذلك بفرادة الهندسة المعمارية لهذا الحي الذي يتضمن مباني قائمة منذ مئات السنين.
ومعظم بيوت جدة القديمة مبنية على الطراز الحجازي، وقد استخدم في بنائها الطين المرجاني والخشب.
وقال محمد الوافي وكيل محافظ جدة لوكالة فرانس برس: "سررنا لعودة الأهالي وسمعنا منهم الكثير عن ذكرياتهم هنا في المنطقة التاريخية".
وأضاف وهو يقف وسط الحشود الكبيرة من زائري مهرجان: "رمضاننا كدا في جدة التاريخية.. أردنا إعادة الحياة لهذه المنطقة بعد أن هجرها سكانها، لقد حققنا ذلك وارتفع عدد المنازل القديمة المرممة عبر شركات عالمية بتكليف من أصحابها".
لكنه قال إنه ما زال يتعين فعل الكثير للانتهاء من ترميم هذا الحي التاريخي في وسط مدينة جدة، ثاني كبرى مدن المملكة.
ويعد الوسط التاريخي لجدة من أبرز معالم الجذب في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تعزيز السياحة، لا سيما الداخلية منها.
ويشكل مهرجان رمضان فرصة للتعرف إلى وسط جدة التاريخي في جو من البهجة الرمضانية.
وأشار الوافي إلى أن "المهرجان يضم فعاليات وأنشطة ومأكولات وأسواق مفتوحة، إلى جانب طقوس وألعاب وأكلات رمضانية قديمة"، مبينا أن "عدد الزوار يوميا يتراوح بين 25 و28 ألف زائر".
وقال وكيل محافظ جدة إن "مهرجان 'رمضاننا كدا' تحول إلى مدينة تدريب لمئات الشباب والشابات
السعوديين على المهن المختلفة، وبمردود اقتصادي جيد".
من جانبها، قالت مها باعشن، وهي فنانة وشاعرة ومالكة أحد أجمل المنازل القديمة في جدة: "لقد أحيا مهرجان جدة البيوت والمنطقة، وهذا الأمر حفزنا كمالكين على الاهتمام وجعلنا نتلهف لإعادة ذكريات أجدادنا في المنطقة".
وتصطف على جانبي أزقة البيوت القديمة عشرات الأكشاك والمطاعم والأركان التي تمثل أهم الحرف والمهن والمأكولات الحجازية القديمة.
وعادة ما يتولى أهالي المدينة أنفسهم مع أبنائهم من البنين والبنات مهمة البيع في هذه المحلات.
ويقف سامر جستنية حفيد شيخ الحلوانية بجانب بسطته التي تشهد إقبالا كبيرا من الزوار. وقال لوكالة فرانس برس: "نمارس كعائلة هذه الصنعة من 150 عاما تقريبا، حيث تعتبر من أقدم المهن في المملكة".
وبحسب سامر فإن "الحلويات الحجازية تشتهر بأنها متعلقة بالسكان وطباعهم، هنالك الحلاوة الطحينية، اللبنية، الهريسة، اللدو، المعجمية، وليالي البر، كل هذه الحلويات تستخدم في الأعياد والأفراح".
ومن العبارات القديمة التي يستخدمها بائعو الحلويات "يا حلا حلي وعلى النبي صلي، حلي فمك بالصلاة على النبي".
بدورها، تقول إقبال قرطلي وهي في العقد الرابع من عمرها وتبيع بعض الأكلات الحجازية: "أقوم بتحضير هذه الأكلات في المنزل، وهي عبارة عن طرشي ومخللات ومقبلات للأكلات الحجازية والبهارات القديمة".
وتضيف وبجابنها ابنتها ذات الـ16 ربيعا التي تساعدها في البيع: "هنالك إقبال كبير من الناس على هذه الأشياء".
وعلى ناصية محل "تذكار البلد" المتخصص في بيع الهدايا والتذكارات القديمة، أفاد رجل الأعمال منصور الزامل صاحب المحل بأن "فكرة إنشاء هذا المحل راودتني منذ أن كنت طفلا". وأردف: "أنشات هذا المحل في وسط البلدة التاريخية وسوف يستمر حتى بعد المهرجان".
ولأول مرة يقام صالون ثقافي في أحد البيوت التاريخية بجدة، ويحتشد فيه عدد من الرجال والسيدات لمحاورة نجومهم في الأدب والثقافة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح ثامر شاكر المسؤول عن الصالون لوكالة فرانس برسن أن "الفكرة تتمحور في تنظيم عشر أمسيات لكتاب وشباب أثبتوا حضورهم على الساحة الثقافية والأدبية، وجذب جمهورهم لمقابلتهم على أرض الواقع".
وبجانب إحدى بسطات بيع الكبدة، قال عثمان الرسيني (45 عاما)، وهو من أهالي القصيم شمال الرياض: "هذه هي زيارتي الرابعة للمنطقة التاريخية، أحرص على مشاهدة التراث العمراني الفريد هنا وتعليم أبنائي ماضي أجدادهم".
أما علي جزار (39 عاما) الذي يعمل موظف بنك فيقول: "لأول مرة أزور مهرجان جدة التاريخية، وقد فاق كل توقعاتي".
وأضاف وهو يشرب عصير قمر الدين: "ما أسعدني هو أن أهل البلد يديرون كل شيء، البيع، الشراء، التنظيم، الأمر مذهل".