نشر ديوان بيت المال في "
تنظيم الدولة الإسلامية" بيانا في 13/11/2014 أعلن فيه نيتهُ سك عملة ذهبية من دنانير ودراهم ذهبية وفضية ونحاسية، وفق الأوزان التالية: فئة الدينار الذهبي وزن 4.25 غرام عيار 21، وفئة خمس دنانير ذهبية وزن 21.25 غرام عيار 21، وحسب سعر أونصة الذهب عيار 24 ليوم 9-7-2015التي سجلت في بورصة القطع سعر 1158 دولار أمريكي، وبإجراء بعض الحسابات يُثمن الدينارالذهبي بنحو 138 دولار، وثمن الخمس دنانير بنحو 692 دولار.
واستخدم الفضة في إصدارالدرهم من فئة واحد درهم وخمسة وعشرة، في حين استخدم النحاس في فئتي 10 فلوس وعشرون فلسا، وحسب شهادات الأهالي في مدينة نينوى في العراق الخاضعة لسيطرة التنظيم أفادوا بوجود محاولات حثيثة لطرح العملة للتداول في نهاية شهر رمضان الجاري، لتصادف حولا كاملا على "تأسيس دولة الخلافة الإسلامية"، وقد أُبلغ السكان عبر إذاعة البيان المملوكة للتنظيم بأنه سيتم منح كل عائلة 10 دنانير ذهبية على أن تستبدل ما لديها من عملات وفق التسعيرة التياع تمدها ديوان بيت المال.
يشابه إصدار "تنظيم الدولة" للعملة الذهبية، النقود المتداولة في العالم عام 1881 حتى 1931 وانتهت حالما فكّت بريطانيا العظمى الذهب عن الجنيه الاسترليني. تاريخيا اتخذت النقود الذهبية شكلين للإصدار،أولها هي الطريقة الكلاسيكية وهيسك الدولة عملتها بالذهب بأوزان محددة، وعلى ضوئها يتحدد معدل الصرف مقابل
العملات الأخرى، والثانية هي إصدار أوراق نقدية قابلة للتحويل إلى ذهب يُطلق عليها"قاعدة الذهب"( gold standard)،وفيها يحتفظ البنك المركزي كميات من الذهب تساوي في الوزن الكميات المصدرة من العملات الورقية، في أول الأمر كانت تُغطى العملات الورقية المصدرة تغطية كاملة بالذهب وفيما بعد أصبحت نسبية.
مرت النقود عبر العصور بتطورات عديدة تتناسب والزمن الذي كانت فيه، من المقايضة إلى اختراع النقود السلعية (الحنطة مثلا)، ثم النقود المعدنية الموزونة ( ذهب،فضة) ومنها إلى النقود المعدودة (المسكوكة) إلى أن وصلنا إلى شكل النقود الورقي الحالي،وسبب التحول من المعدن إلى الورق هو صعوبة حمل ونقل النقود في صورتها المعدنية الذهبية، كما أن انتقالها من يد إلى أخرى في التعامل عرضها لعوامل الحت وفقدان شيء من وزنها ما مثل خسارة في رصيد البلد من الذهب.
ومن إيجابيات نظام الذهب بشقيه الكلاسيكي وقاعدة الذهب أنه يقيد الحكومة عن طباعة النقود إلا بما يتوافق مع رصيدها الذهبي، كما أن ربط العملة بالذهب سيحميها من مخاطر التلاعب بقوتها الشرائية وبالتالي السيطرة على معدل التضخم، ويتسم معدل صرف العملة المحلية مع العملات الأجنبية بالاستقرار لإن هذا المعدل يتحدد بالوزن فالضغوط في سوق النقد الأجنبي على العملات نحو الارتفاع أو الإنخفاض يتم التغلب عليها من خلال تصدير أو استيراد الذهب. كما أن الحكومة لا تستطيع الإفراط في إصدار سندات حكومية والاقتراض من الأفراد والمؤسسات كي لا تتجاوز رصيدها الذهبي وبالتالي السيطرة على حجم الدين العام، بالإضافة إلى ذلك أدى إلى توازن الميزانية العامة للدولة، وتوازن الميزان التجاري بين الدول.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى توقفت دول العالم عن تبني نظام الذهب نتيجة لنفاذ أرصدتها الذهبية في الإنفاق على الحرب، وفي عام 1944 بدأ العمل بالدولار الذهبي وفق اتفاقية بريتون وودز بين الولايات المتحدة من طرف، بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية بإقتصاد قوي ورصيدذهب وافرفي خزائنها، ودول العالم من جهة أخرى التي خرجت باقتصاديات مدمرة وخزائن ذهب فارغة.
ووفقا للإتفاقية اعتمدت دول العالم
الدولار الأمريكي قاعدة أساس لتحويل عملاتهم المصدّرة إلى الذهب، وبدورها التزمت الولايات المتحدة بذلك، ولكن في العام 1971 حدثت أزمة كبيرة للدولار تقدم على أثرها عدد كبير من دول العالم طالبين تحويل الدولار إلى ذهب بحسب الإتفاقية،وانخفض بالتالي الرصيد الذهبي للولايات المتحدة إلى النصف تقريبا، وتنبهت أمريكا أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى استنفاذ كامل رصيدها من الذهب،فأعلن الرئيس الأمريكي نيكسون عن وقف تحويل الدولار إلى الذهب وفك الارتباط بينهما، ومنذ ذلك الوقت انفصلت النقود عن الذهب في العالم.
واليوم في القرن الواحد والعشرين مع ناتج قومي للعالم يفوق ال 75 ترليون دولار قد نحكم بالفشل على عودة نظام الذهب، إذا عرفنا أن رصيد الذهب المتوفر في العالم الذي تحتفظ فيه البنوك كأصل احتياطي هو 30462 ألف طن من أصل 140 ألف طن ذهب استُخرجت من باطن الأرض حتى الآن، لذلك الكميات المُنتجة من الذهب في العالم لاتكفي لتغطية إصدار النقود في العالم، بالتالي العودة إلى نظام الذهب اليوم سيحول الذهب إلى معدن غير مستقر بسبب شدة الطلب عليه، وقلة المعروض منه، مما ينجم عنه عدم استقرار للنقود.
وما قد يعمل اليوم عمل نظام الذهب في الماضي،تصميم وتنفيذ سياسات نقدية صارمة تحقق معدلات منخفضة من التضخم، وتحولْدون تدهور القوة الشرائية للعملة.
تعتبر النقود أحد أهم أدوات الدولة في الحياة الاقتصادية، وتعتبر الدولة في الوقت الحالي المسؤولة عن عملية إصدار النقودعن طريق البنك المركزي لديها، ومراقبة مؤشر الأسعار العام والحيلولة دون ضعف العملة عن طريق تطبيق سياسات نقدية ومالية، ومن هذا المنطلق يسعى تنظيم الدولة إلى توطيد دعائم حكمهِ في المناطق التي يسيطر عليها وإرسال رسالة مفادها الإستقرار الاقتصادي، وقيام التنظيم بوظائف الدولة المنوطة به اتجاه السكان.
كما أن التنظيم يحاول إظهار مدى تدينه وتطبيق الشريعة الإسلامية في معاملاته أمام حاضنته الشعبية سواءً في المناطق التي يسيطر عليها أو في الخارج، للإيحاء أن "دولة الخلافة الإسلامية" عادت من جديد، وتشجيع المسلمين للهجرة إليها من شتى أصقاع الأرض، ومن هنا عمل على شرعنة النظام المالي من خلال تقليد نظام النقود أيام العصر العباسي ممثلا بالعملة الذهبية من جهة، ورفض العمل "بالنظام المالي العالمي الربوي" من جهة أخرى، لإنه "فُرض على المسلمين فرضاً وأهدر ثرواتهم" من قبل "اليهود والصلييبن" حسب وصفه.
كما واعتمد في الرسوم والنقوش المرسومة على فئات العملات على رموز إسلامية، منها مئذنة الجامع الأموي كناية عن مهبط عيسى عليه السلام، المسجد الأقصى مسرى الرسول وأولى القبلتين، وسبع سنابل كناية عن البركة في الإنفاق في سبيل الله، وخريطة العالم كناية عن بشارة النبي عما سيبلغ ملك أمته وأنه يسعى للسيطرة على العالم، وأيضا رمح ودرع كناية عن الجهاد في سبيل الله.
لذلك لم يخفي تنظيم الدولة توظيفاته الاقتصادية في سياق الاستغلال والتوظيف المستمر للدين وتطويعه في سبيل تمتين خطابه السلطوي ضمن حاضنته وعناصره البشرية.
والخلاصة أن ما قام به تنظيم الدولة لا يعدو وصفه إلا فقاعة إعلامية تم إطلاقها في الإعلام العالمي، ليدلل على استقراره الإقتصادي وقيامه بوظائف الدولة المنوطة بهعن طريق بناء منظومة مالية واقتصاد خاص به، وعدم اكتراثه بالحملة الدولية التي تجري ضده.
ومن خلال نيته طرح عملة ذهبية للتداول بدلا من العملة المحلية في العراق وسوريا يكسب ثقة مؤيديه وحاضنته الشعبية أكثر ويجذب فئات شبابية مسلمة من شتى أنحاء العالم للهجرة إلى "دولة الخلافة" المزعومة.