كما ستكون
إسرائيل سعيدة، لحظة موافقة حركة
حماس على إبرام هدنة طويلة معها، على ضوء مآلات الحرب الجسيمة، وسواء من حيث تضخّم الغضب الداخلي أو برعب الملاحقة الخارجية المحتملة، فإن حماس ستكون أكثر سعادة، لحظة تطبيق بنودها واحدا بعد الآخر، وبخاصة تلك التي سعت لخطِّها بيدها، باعتبارها شروطا غير قابلة للتبديل أو التخفيف من حدّتها، كي تكون الهدنة المنتظرة على ما يُرام.
فإسرائيل التي كانت تعتبر نفسها تعيش على القوّة، وتغترّ كل وقتها، بأن وقف الحرب هو ضار بها، فهي الآن تستعمل كافة ما لديها من الوسائل لاجتنابها، والهروب منها وراء كل ركن وزاوية، وإن إلى مرحلة أخرى من الزمن، سعيا منها إلى نسيان صفحة قاتلة من صفحاتها العسكرية والتي ذاقت من خلالها ألم الحروب كما لم تعهدها من قبل.
ومن ناحية أخرى، بسبب اشتهاؤها رؤية طيفا من الهدوء يسود إلى أطول مدى، ليس في أطراف الحدود الفاصلة مع القطاع فقط، وإنما في المركز أيضا، فكما تودّ أن تشاهد علامات الرضا من سكان الجنوب-اليهود- وسماع إطراءتهم، فإنها أشد لهفة لمشاهدتها تزاحما للطائرات الهابطة على مدرجات ( بن غوريون)، وهي تفتح أبوابها لصاعدين يهود جدد إلى (أرض إسرائيل).
وبالمقابل، فإن حماس وبرغم شعورها جيدا بالمخاوف الإسرائيلية، وحرصها الواضح على عدم الانجرار لخوض حرب جديدة، على الرغم من وجود تدريبات ومناورات وألسنة عسكرية ضدها، فهي تحاول المحافظة على حكمتها وحذرها، بالاقتراب أكثر من
الدبلوماسية، واعتماد الطرق الموصلة إليها، والابتعاد عن الحرب أو حتى محاولة التحدّث عنها.
فعلاوة على الثمن الباهظ الذي دفعته الحركة من ناحية الخسائر المادية والبشرية الهائلة، على الأقل خلال الحرب الأخيرة (عمود السحاب) أو (العصف المأكول) الصيف الماضي، فإنها أيضا تجد نفسها أمام استحقاقات يتوجب عليها دفعها ومن غير إبطاء، والتي على رأسها تسهيل السبل أمام إعادة الإعمار، إلى الدرجة التي توافق عندها، بتسليم معابر القطاع (كاملة)إلى السلطة الفلسطينية.
وفي ضوء ما تقدّم، فإن الدبلوماسية لدى إسرائيل- وإن كانت حذِرة- تبدو هي السائدة في هذه المرحلة، وذلك بعد انقضاء فترة طويلة، امتدت لعدّة سنوات، كانت تعتبر خلالها قطاع غزّة بأنه طرف عدو والمقصود حماس تحديدا، فبالأمس القريب وفي أعقاب توصية النخبة في الجيش الإسرائيلي، بأن حكم حماس لقطاع غزة هو جيّد لإسرائيل، فقد دأبت القيادة السياسية على تبنيّ تلك التوصية، وذلك عن طريق مد الحبل – وساطة أوروبية- لإيجاد تفاهمات حقيقية مع الحركة، على الرغم من قيامها بطمأنة الرئاسة الفلسطينيّة، من أن حبل ودادها لا يزال متصلا بها، ولا اتصالات مع حماس على حسابها.
زيادة في الدبلوماسية، فإن حماس أعلنت على المسامع الإسرائيلية- كما أوردت الأنباء- بأن لا نيّة لديها في مواجهة إسرائيل أو إنشاء حرب مفتوحة معها، دون امتلاكها صواريخ مضادة للطيران، وذلك من أجل تحقيق توازن عسكري أعلى عن ذي قبل، وحتى تستطيع مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، أو بتحييده أو الحدِ من طلعاته إلى الحد الأدنى على الأقل.
في إسرائيل يفهمون أن مجرّد الإعلان عن ذلك الشرط، يكفي للدلالة على أن حماس تسعى للدبلوماسية بدل الوقوف المكشوف في الميدان، مع أنها تعلم بأن حماس لديها (نواة) مقبولة لتلك الصواريخ - كما أعلنت هي بنفسها خلال مواقف سابقة- وكانت طائراتها الحربية المغيرة هدفا لها ذات مرّة، بما يعني أن هناك مساع دؤوبة للحصول عليها، أو القيام بصنعها، وذلك في ضوء تكثيفها عمليات تطوير صواريخ مختلفة على مدار الساعة.
يمكننا القول، بأن تفضيل الحركة للدبلوماسية، يرجع إلى وثوقها الكبير من فكرة (أن تحلب بقرة، أفضل من أن تُمسك ثورا) بمعنى ابتزاز إسرائيل – باعتبارها فكرة ممكنة وقابلة للتطبيق- وفي هذه المرحلة بالذّات، هي أفضل من مناطحتها، وفي ضوء أن المضي على نورها، لا يُنقص من مبادئها المكتوبة في سجلاتها العتيقة في شيء، بسبب أن حقوق المقاومة لديها محفوظة.
ومن ناحية أخرى، فإنه لا يمكننا اتهام إسرائيل بأنها كسولة عن مذاكرة أوراق حماس ورقة بورقة وسطرا بسطر، فهي تعي تماما تلك الفكرة، والشيء الجيّد هو أنها مستعدّة للقبول بها، وسواء في هذه المرحلة، أو حتى على مدار مراحل قادمة، وعزاؤها يكمن في أن التجاوب معها لا يتعارض مع سياستها باتجاه علاقتها الصراعية مع حماس كشيء أساسي، كما وأنه سيكون لديها الوقت الكافي لاستثمارها بالهدوء والنّماء، وبتعويض ما ينشأ عنها لدى الأنظمة العربيّة، خاصة وهي لا تزال تبذل استعدادات مكثفة-إضافية- لصقل علاقات متميزة معها.