سابق رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي الزمن، من أجل طمس الذكرى الثانية لمذبحة الفض الدموي لاعتصام ميدان "
رابعة العدوية"، التي تحل الجمعة، بهدف التخلص من هذا "الكابوس" الذي يطارده ليل نهار، وذلك عبر سبع أدوات لجأ إليها، أبرزها الاستعانة بالتشديدات الأمنية في الشوارع والميادين، والتلويث الإعلامي للإخوان وسمعة المعتصمين، وتلفيق نيابته العامة قضية جديدة إليهم.
وشملت أدوات السيسي أيضا إصدار الأزهر "بيان المحروسة" لتبرئة السيسي وأعوانه من تهمة القتل، ومصادرة المزيد من ممتلكات الإخوان، كرسالة تخويف وإرهاب للمتعاطفين مع رابعة والإخوان، مع تغيير اسم الميدان نفسه، ونشر الخوف بين كل من يحاول تخليد إشارة "رابعة"، أو التذكير بها.
"الأمن" كلمة السر.. وتشديدات أمنية
"الأمن" كلمة السر الأولى، في خطة السيسي، لمحاولة تفويت ذكرى رابعة، بأقل قدر من الخسائر، إذ هدد مسؤولو داخلية الانقلاب باستخدام الرصاص الحي، و"الضرب في المليان"، حال مواجهة "أي خروج عن القانون"، على حد تعبيرهم، في إشارة إلى المظاهرات السلمية.
وأعلنت الوزارة، الخميس، رفع حالة الاستعداد والاستنفار الأمني إلى الدرجة القصوى، وحذرت من أن أي محاولة لارتكاب أي أعمال عدائية، ستقابل بكل قوة، وحسم.
واصطفت ست مدرعات عسكرية على مقربة من المتحف
المصري، وانتشر خبراء المفرقعات المدعومة بالكلاب البوليسية لإجراء عملية تمشيط وتفتيش محيط الميدان، وكثفت قوات الجيش والشرطة من تواجدها بمحيط ميدان رابعة، وجابت دوريات أمنية مسلحة شوارع المنطقة لرصد المتظاهرين.
وأعلنت داخلية الانقلاب أنها وضعت خطة أمنية شملت تشديد الإجراءات الأمنية، بالتنسيق مع القوات المسلحة، لا سيما محيط المنشآت الحيوية والميادين، وأبرزها: مصطفى محمود، وجامعة القاهرة، ونهضة مصر، والحصري بأكتوبر، وشوارع الهرم وفيصل والتحرير بالدقي، وطريق المحور والطرق الزراعية، ومدينة الإنتاج الإعلامي.
وتم تكثيف الوجود الأمني على جميع المنشآت المهمة والحيوية، ومن بينها الوزارات السيادية، ومحطات الكهرباء والمياه الرئيسة، وأقسام ومراكز الشرطة، ومديريات الأمن بسائر المحافظات، وضوعفت الخدمات المكلفة بتأمين السجون، وتم تسليحها بالأسلحة الثقيلة.
ووجه وزير داخلية الانقلاب، مجدى عبدالغفار، خلال اجتماع عقده مع قيادات وزارته، الخميس، بتكثيف الوجود الأمني بسائر الميادين والمحاور، وزيادة انتشار وحدات التدخل السريع، وإحكام الرقابة على الطرق السريعة والصحراوية، من خلال تمركزات أمنية ثابتة، ودوريات أمنية متحركة.
وأعلنت أجهزة الأمن في الجيزة، الخميس، حالة الاستنفار، وألغت مديرية الأمن إجازات الضباط والأفراد، وتقرر مرور فرق من خبراء المفرقعات على مقار البنوك والسفارات والمحاكم مساء الخميس، لتمشيطها.
وفي مديرية أمن القاهرة، اجتمع مدير الأمن، خالد عبدالعال، بضباط وقيادات المديرية، وتم فيه وضع خطة لغلق الطرق المؤدية إلى ميدان رابعة، ونصب الأسلاك الشائكة، مع تفتيش المارة، بمشاركة عناصر الأمن الوطني والأمن المركزي وضباط قسمي شرطة مدينة نصر أول وثاني، باعتبارهما الأقرب للميدان.
السيسي يستعين بأذرعه الإعلامية
وبالتزامن مع التشديد الأمني، جاءت كلمة السر الثانية في خطة السيسي، وهي الإعلام، إذ استعان بأذرعه الإعلامية، من أجل غسل أدمغة المصريين، بأكاذيب مفتراة حول رابعة.
فزعم الإعلامي أحمد موسى، عبر برنامجه التليفازي "على مسؤوليتي"، مساء الأربعاء، أن عدد ضحايا فض اعتصام رابعة هو أربعون جثة فقط، منهم 22 جثة تحت المنصة مكفنين، لكن الإخوان كانوا جالبين جثث، ووضعوها في مسجد الإيمان قبل الفض بيومين، من أجل زيادة الأعداد، وفق زعمه.
وأشار موسى إلى أن "دم كل معتصمي رابعة وشهداء الشرطة في رقبة محمد البرادعي نائب الرئيس آنذاك الذي أدى دورا كبيرا في تأجيل فض الاعتصام"، وفق قوله!.
وخلال مكالمة هاتفيه مع موسى، قال عضو المجلس الاستشاري السابق، عصام النظامي، إنه قبل عملية فض اعتصام رابعة، أحرق المعتصمون محتويات المسجد، وسيارتين للتليفزيون، زاعما أن سيارة حمراء اللون محملة بالأسلحة النارية دخلت الاعتصام قبل الفض بأسبوع.
واستضاف برنامج "الملف"، على فضائية "العاصمة"، مساء الأربعاء، المتحدث الإعلامي باسم اتحاد الكرة، عزمي مجاهد، الذي قال إن جماعة الإخوان أحلت جهاد النكاح والزواج دون عقود شرعية، وأنشأت خيما لتجارة المخدرات في الاعتصام، لتوزيع المواد المخدرة على المعتصمين، بحسب قوله.
وأكمل: "اللي هينزل يتظاهر في ذكرى فض رابعة هنقتله زي الكلب، ما لوش دية لأن دول جماعات إرهابية تنال من وحدة وأمن الشعب المصري(!)".
ومن جهتها، واصلت الصحف الموالية للانقلاب، تخصيص ملفات وتغطيات خاصة حول اعتصام "رابعة"، فنشرت "الوطن"، الخميس، ملفا بعنوان: "رابعة".. ذكريات "الدم والإرهاب"، اتهمت فيه "أنصار الرئيس المعزول" بأنهم "يستعدون لإحياء ذكرى "الفض" بنشر موجة جديدة الإرهاب، والذعر بين المواطنين، واستهداف المنشآت الحيوية، فى مقابل خطة أمنية أعدتها وزارة الداخلية لمواجهة سيناريوهات "إرهاب الإخوان" لإسقاط الدولة(!)".
وفي السياق نفسه، زعمت صحيفة "اليوم السابع"، الخميس، أن الإخوان يشكلون "خلايا مسلحة" للاشتباك مع قوات الأمن، وأن تنظيم الإخوان، وضع خطة لنشر العنف والإرهاب، تتضمن تشكيل خلايا إرهابية فى المحافظات لاغتيال الضباط الذين شاركوا فى عملية الفض، واستهداف أقسام الشرطة والمنشآت العامة، وقطع الطرق الرئيسية، وتنظيم مظاهرات مسلحة.
تلفيق مفضوح بالقضية الجديدة
سلطات الانقلاب استبقت أيضا الذكرى الثانية لفض اعتصام "رابعة العدوية" بقيام النيابة العامة بإحالة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، وعدد من قادتها، إلى المحاكمة بتهمة "الاعتصام المسلح" بميدان رابعة.
وذكر بيان النيابة أن مرشد الإخوان وعددا من قيادات الجماعة أحيلوا لمحكمة الجنايات "لضلوعهم في تدبير تجمهر مسلح، والمشاركة فيه بميدان رابعة العدوية، شرق القاهرة، وقطع الطريق، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل".
وأضاف البيان أن المتهمين "ارتكبوا الجرائم المسندة إليهم خلال الفترة من 21 حزيران/يونيو 2013 حتى 14 آب/ أغسطس من العام ذاته".
لكن الصحفي أشرف البربرى فضح تلفيق القضية، وقال في مقال بعنوان: "بيان يحتاج إلى بيان"، بجريدة "الشروق" الخميس، إن بيان النيابة العامة الصادر الثلاثاء بإحالة المتهمين فى القضية المعروفة باسم "أحداث فض اعتصام رابعة" يحتاج إلى بيان، "لأنه وضعنا أمام سابقة لم يشهدها القضاء فى مصر، وربما العالم عندما صدر أعلن إحالة القضية إلى محكمة الجنايات دون أن يحدد عدد المتهمين المحالين، ولا أسماءهم، ولا جريمة كل متهم فيهم".
وأضاف البربري: "نحن أمام قضية لا يعرف فيها المتهم أنه متهم، ولا يعرف فيها الدفاع عمن سيدافع، ولا ضد أي تهمة سيدافع عنه".
وتساءل: هل خالفت النيابة العامة الدستور عندما أصدرت أمر الإحالة على هذا النحو السري؟
وأجاب: أن الأمر يحتاج إلى إجابة شافية من النيابة باعتبارها مسؤولة أمام الشعب صاحب السيادة الوحيد فى هذه البلاد بنص الدستور.
واختتم مقاله بالقول: إذا كانت "الحرب أخطر من أن نتركها للعسكريين"، فإن الحفاظ على الثقة فى القضاء مهمة "أهم وأكبر من أن نتركها للقضاة فقط"، لأنها قضية وجود بالنسبة للمجتمع الذى لا بقاء له بدون سلطة قضائية فوق أى تشكيك.
الأزهر يدخل على الخط ب"بيان المحروسة"
ودخل الأزهر على خط ذكرى "رابعة"، حسبما أريد له، وأصدر قبل حلول الذكرى بـ48 ساعة فقط، "بيان المحروسة"، زاعما أنه يأتي ردا على بيان مؤيدى جماعة الإخوان، الذي صدر تحت اسم "نداء الكنانة"، بينما تستهدف تعبيرات بيان الأزهر تبرئة السيسي وأعوانه من دماء شهداء رابعة، وفق مراقبين.
وثمن الناشط السياسي الموالي للسيسي، معتز بالله عبد الفتاح، البيان. وأشار إلى هذه المفارقة، وذلك في مقاله بجريدة"الوطن"، إذ اختار له عنوانا هو: "قبل ذكرى الفض: هذا بيان الأزهر".
وأشار عبدالفتاح إلى أن الأزهر أكد خلال البيان أن حكام مصر الحاليين، لم يقتلوا أحدا، وأن القتلة هم الذين غرروا بالمتظاهرين والمعتصمين من أتباعهم، وحللوا لهم الخروج المسلح على الجيش والشرطة والشعب.
وزعم البيان (كأن على رأس كاتبيه "بطحة") أن حكام مصر لم ينقلبوا على نظام حكم الإخوان والرئيس محمد
مرسي، بل الشعب هو الذى ثار وخرج بجميع فئاته، ليطالب بعزل حكم فشل فى إدارة مصر، مضيفا أن نظام الإخوان ناصر أعداء الأمة، وحكم مصر عاما كاملا، لم يجاهر فيه بموقف عدائي واحد تجاه أعداء مصر والمتربصين بها(!).
وعلق عبدالفتاح على البيان، بعد أن لخصه، فقال: "هذه شهادة للتاريخ، وبلاغ إلى عموم المسلمين"، وذلك في تنبيه منه إلى البيان، قبل ساعات من حلول ذكرى المذبحة، بهدف التأثير على الرأي العام المتعاطف معها، وذلك باستخدام سلطة الأزهر الدينية، وإلا فلماذا لم يرد الأزهر في حينها، قبل قرابة شهر، على "نداء الكنانة"، بمجرد صدوره؟.
التحفظ علي ممتلكات جديدة للإخوان
وعلى صعيد نشر الرعب المادي من الانضمام إلى أي فعليات محسوبة على الإخوان ومناهضي الانقلاب، قررت لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، الخميس، التحفظ على 522 مقرا من مقار الجماعة في مختلف محافظات مصر، في توقيت خبيث، قبل ساعات من حلول ذكرى المذبحة، كأنه رسالة للفت في عضد أنصار الإخوان.
وأشار رئيس اللجنة، عزت خميس، إلى أنه تم التحفظ بالفعل على عدد كبير من العقارات الخاصة بالجماعة؛ كالمباني والأراضي الزراعية، ومنها 400 فدان زراعي مملوكة لقيادة إخوانية، وأنه تم التحفظ على عدد من السيارات.
وأضاف خميس -خلال مؤتمر صحفي عقده بوزارة العدل، الخميس- أن آخر قرار اتخذته اللجنة هو التحفظ على ممتلكات أحمد صفوان ثابت "أمواله السائلة والمنقولة والعقارية، ولم يشمل شركة جهينة لأنها شركة مساهمة"، وهو رجل أعمال مشهور غير معروف أنه من الإخوان مطلقا(!).
تغيير اسم ميدان "رابعة"
وكانت محافظة القاهرة استبقت الذكرى يوم الأحد الماضي بتغيير اسم ميدان رابعة العدوية ليصبح اسمه "ميدان الشهيد المستشار هشام بركات"، حيث تم وضع اللافتات بالاسم الجديد.
وانتهت الجهات التنفيذية بالحي من وضع اللوحات المعدنية الجديدة بالميدان. وقال رئيس هيئة النقل العام بالقاهرة، رزق على مصطفي، إنه سيتم تغيير اسم الميدان على حافلات الهيئة سواء التى يقع الميدان في نطاق سيرها، أو محطة رئيسية لها، ووضع اسم هشام بركات بدلا منه.
لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حازم حسني سخر من هذا التغيير، وقال في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لقد أساءوا للرجل من حيث أرادوا إحسانا.. واضح أن مسلسل الكوميديا السوداء مستمر معهم وبهم حتى إشعار آخر"!.
وهشام بركات هو النائب العام الذي تم فض اعتصامي رابعة والنهضة بقرار منه، وقرر مجلس وزراء الانقلاب في منتصف تموز/ يوليو الماضي إطلاق اسمه على الميدان، بعد أن قتل إثر تفجير استهدف موكبه، بشارع عمار بن ياسر بمنطقة مصر الجديدة.
استهداف كل من يخلد إشارة رابعة
إلى ذلك سيطر الهوس المتعمد على أجهزة الانقلاب تجاه كل من يرفع يده بإشارة رابعة، أو يقدم على أي إجراء يستهدف تخليد ذكراها، أو التذكير بها، وذلك كشكل من أشكال إرعاب المصريين من الإقدام على هذا الفعل.
فقد اعتقلت مباحث شرطة الانقلاب في النقل والمواصلات، الإثنين الماضي، مواطنا لمجرد أنه قام بتصوير نفسه "سيلفي"، وهو يشير بعلامة "رابعة" أثناء تواجده بمحطة مترو شبرا الخيمة.
وقامت الخدمة الأمنية المعينة بالمحطة من اعتقال "محمود. ح. م" 31 سنة، حاصل على دبلوم صنايع بالمطرية - القاهرة، في أثناء تصويره نفسه بالهاتف المحمول الخاص به، مشيرا بيده بعلامة "رابعة"، وخلفه جدارية خاصة بصور زعماء سابقين، إذ تم التحفظ على هاتفه، وتحرر المحضر رقم 12/168 أحوال قسم شرطة ثالث مترو الأنفاق.