شهد المؤتمر العالمي للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء
المصرية، الإثنين والثلاثاء، تحت رعاية رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، صدور دعوات، في يومه الأول، إلى إعادة النظر فى تحريم اقتناء التحف والتماثيل، وتولى المرأة للقضاء، وكثير من المسائل التي أفتى فيها علماء سابقون.
وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب -في افتتاح المؤتمر- إن الفتوى والإفتاء أمانة شاقة، ومسؤولية ثقيلة، داعيا إلى إعادة النظر في تحريم اقتناء التحف والتماثيل.
وقال: "خذ مثلا اقتناء التحف والمجسمات التي على شكل التماثيل، أو التكسب من مهنة التصوير، في ظل ما شاهدناه من تدمير آثار ذات قيمة تاريخية كبرى، وكان تدميرها بفتاوى باسم الإسلام وشريعته، في ظل متغيرات عالمية وأعراف استقرت على إنشاء كليات للآثار وللفنون الجميلة، ولصناعة السياحة، مما أوقع المسلمين في حيرة من أمرهم حيال هذه المجسمات، مع أن المقام مقام بحث وتنظير وتفتيش عن وجود العلة أو عدمها"، وفق قوله.
وأضاف: "لا يعقل أن يظل تولى المرأة للقضاء محل خلاف"، متسائلا: "هل يعقل أن تظل قضية تولى المرأة للقضاء، وقضايا أخرى، محل خلاف عميق، فى وقت صارت المرأة فيه ضابطا وقائدا للطائرات وأُستاذا فى الجامعة ووزيرا فى الحكومات؟.
واستطرد: "هل لا تزال أحكام المرأة فى ظل هذه الأعراف المتغيرة هي أحكام المرأة أيام كان العرف يقضي بأن الحصان الرزان من النساء هي ما كانت حبيسة القصور والدور والخيام؟".
ومن جهته، أعرب مفتي مصر، مجدي علام، في كلمته، عن أمله في "أن يكون هذا المؤتمر حدا فاصلا بين عصر فوضى الفتاوى التي تتسبب في زعزعة استقرار المجتمعات، وتؤدي إلى انتشار التطرف، وبين عصرِ الفهم الدقيق لطبيعة الدور الإفتائي، وما يكتنفه من ضوابط"، وفق قوله.
وأضاف: "ألا فلتكف عنا ألسنة الفتنة صراخها، ولتكف عنا أقلام الفتنة صريرها، ولتكف عنا أبواق الفتنة نعيقها، ولا يتكلم في دقائق الفتوى إلا أهلها المتفرغون لها المتخصصون فيها المسؤولون عنها أمام الله سبحانه، أما أن يخرج علينا بعض الكتاب وهواة الشهرة كل يوم بكلام شاذ أخرق منكر يمزق وحدة الوطن ويفرق الصف ويزيد انشغاله ويلفت انتباهه إلى سفاسف الأمور وتوافه الأفكار وغرائب الأقوال، فهذا ما لا يمكن السكوت عليه بحال".
ومن جهته، طالب عباس شومان، وكيل الأزهر، بإعادة النظر في كثير من المسائل التي أفتى فيها علماء سابقون، التى يخالف فيها العرف ما نعيش فيه حاليا، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، وفق قوله.
وأكد ضرورة رصد الفتاوى التكفيرية وتتبعها والتصدي لها وتوجيه الأبحاث الفقهية لدراسة ما تستند إليه هذه الجماعات وتنفيذ شبهاتها، على غرار ما قام به الأزهر من تأسيس مرصد لرصد الفتاوى التكفيرية، وكذلك مرصد الإفتاء للفتاوى التكفيرية.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب -في كلمة ألقاها نيابة عنه جلال السعيد محافظ القاهرة-: "إن مصر تشهد طفرة كبيرة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية، مضيفا أنها تخطو نحو مستقبل أفضل للمصريين وللعالم، خاصة بعد افتتاح قناة السويس الجديدة مؤخرا".
وقال وزير العدل، أحمد الزند، إن صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان تتطلب تجديد الخطاب الديني كما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد أن استشرف بثاقب بصيرته أن الطريق الأمثل للقضاء على الإرهاب يبدأ بتجديد الخطاب الديني.
وقال مفتى القدس، الشيخ محمد حسين، إن مؤتمر مشكلات الفتوى الذي تعقده دار الإفتاء المصرية جاء بعد إنجاز مصر لمشروع عملاق هو افتتاح قناة السويس الجديدة، مؤكدة أنه مشروع عملاق(!).
وقال مفتي الأردن، محمد الخليلي: "شاعت في عصرنا الحالي أن المفتي الذي يبتعد عن الحاكم، ويصدر فتاوى مناقضة لأراء الحكام، فهذا هو على حق، لذلك شاعت ثقافة "علماء السلطان"، لإسقاط شعبية بعض
العلماء الأجلاء، وتشويه صورتهم، والتقليل من قيمتهم.
وأضاف: "صدر مؤخرا في الأردن من يدعو إلى الاعتصام، ويقول إن من يخرج إليه، ويقتل فيه يكون شهيد، فهذا الآن ما يروجون إليه من فتاوى مضلة للتوافق مع أهواء هؤلاء الأشخاص".
وقال مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان: "لدينا انشقاق في الدين في اتجاه التطرف والعنف، لا يكفي فيه القول إن هؤلاء خوارج جدد، إذ إنهم يتعرضون بالتحريف والإبطال لثوابت الدين، من طريق فقه مغلوط، كما يتعرضون بطرائق فظيعة لفقه العيش".
وأضاف أن هذه العصابات المسلحة والمنتشرة في كل مكان، تارة باسم السنة، وتارة باسم الشيعة، ليست عصابات عادية، بل تسوغ جرائمها بتأويلات دينية.
وناقشت جلسات اليوم الأول للمؤتمر -بمشاركة مفتي مصر السابق علي جمعة، ومفتي الديار اللبنانية عبد اللطيف دريان- الإفتاء وأثره في استقرار المجتمعات، وأهمية الإفتاء وضوابطه، ومجالات عمل الإفتاء، ومواجهة التطرف والتكفير والتعصب المذهبي، ومعايير التطرف في الفتاوى، والجهود الإفتائية في مواجهة التطرف والتكفير، والتعصب المذهبي في الإفتاء.
ويتضمن اليوم الثاني للمؤتمر، الثلاثاء، جلسات نقاشية حول آليات ضبط الفتاوى، والإفتاء والتنمية، علاوة على بحوث حول: مقصد العمران، وعلاقته بالفتوى، والفتاوى الاقتصادية وضوابط التنمية، والفتاوى الاجتماعية، وأثرها في تنمية المجتمع.
ويستهدف المؤتمر إطلاق عدد من المبادرات أبرزها تشكيل أمانة عامة لدور الإفتاء يكون مقرها الدائم بالقاهرة، منظمة دولية متخصصة تقوم بالتنسيق بين الجهات العاملة فى مجال الإفتاء بالعالم، والتنسيق بين دور الإفتاء لبناء تكتل إفتائي، يعمل على حصار ظاهرة تصدى غير المؤهلين للإفتاء.
ويستهدف بناء إستراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف في الفتوى، والتبادل المستمر للخبـرات بين دور الإفتاء الأعضاء، والتفاعل الدائم بينها، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء لتطوير أدائها الإفتائي، وتقديم العون للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية تساعد في نشر الوسطية والاعتدال فى هذه الدول.
وكان المؤتمر شهد مغادرة كل من: وزير العدل، وشيخ الأزهر، والمفتي، ووزير الأوقاف، ومحافظ القاهرة، وعدد كبير من علماء الأزهر، سريعا لأداء صلاة الجنازة، على والدة السيسي، التي توفيت صباح الإثنين