من يظن أن معركتنا مع
الاحتلال تتلخص فقط في المواجهة
العسكرية فهو لا يدرك حقيقة هذا الصراع، فنحن في مواجهة شاملة؛ عسكرية وسياسية وإعلامية وثقافية ونفسية وقانونية وجغرافية وتاريخية ودينية، واليوم برز جانب مهم ومؤثر من هذا الصراع وهو جانب "
المعارك التقنية"، وذلك بعد إعلان كتائب
القسام عن الاستيلاء على طائرة متطورة من دون طيار، والمثير في هذا الخبر أنه لم يتم إسقاطها بل امتلاكها والقدرة على الاستفادة منها، وهذا يعني أننا أمام قفزة نوعية وخطوة متقدمة للمقاومة.
من المعلوم أن الاحتلال يحتكر التفوق التقني منذ بدء الصراع، وحافظ على فجوة بينه وبين القوى العربية بشكل عام، وركز كثيرا على سلاح الطيران حتى أنه يمتلك أقوى سلاح جو من حيث الكثافة والنوعية وقوة النيران والتفوق التقني والتكنولوجي، واليوم هناك تركيز كبير على تطوير طائرات الاستطلاع وتدار عملية تطويرها بسرية بالغة، ويسعى الاحتلال ليكون المصدر الأول لهذه الطائرات على مستوى العالم، ولهذا السيطرة وامتلاك طائرة بهذا النوع النادر من الطائرات يمنح المقاومة ورقة قوة وتميز.
ويحق للكتائب القسام التباهي والاعتزاز بذلك، فدول كبرى حينما تسيطر على طائرات استطلاع تعقد المؤتمرات وتوضح التفاصيل وتعتبرها أحد أهم انجازاتها، فما بالك بفصيل فلسطيني محاصر من العالم أجمع يقوم بقدرة ذاتية على السيطرة والاحتفاظ بالطائرة، وإعادة تشغيلها ومعرفة تفاصيلها، وحقيقة ما عرض من فيديو قصير يظهر مدى تمكن عناصر التقنية في القسام من هذه الطائرة، فتعاملوا معها بمهارة وسرعة ودقة كما لو كانوا صنعوها بأيديهم.
ما نسمعه من إبداعات المقاومة في هذا المجال يدل أننا أمام معركة تقنية نوعية، والأهم أنها جاءت في الفترة الحالية حيث الاعتماد الأساس على القدرة التقنية، فإسقاط الطائرة وتشغيلها وإدخالها للخدمة يكشف مدى التطور النوعي في الأداء لدى كتائب القسام، فتطور طائرات الاستطلاع سري ويبقى حبيس الأدراج والاطلاع عليه يعد إنجازا كبيرا بحد ذاته.
وإضافة إلى الإعلان عن إسقاط طائرة الاستطلاع، هناك إنجازات تقنية أخرى للقسام، كان من أبرزها صناعة طائرة أبابيل وتم إدخالها للخدمة خلال العدوان الأخير، بالإضافة إلى التقاط صور هامة وحساسة لمواقع عسكرية إسرائيلية، إلى جانب الاختراقات الإلكترونية والحصول على معلومات وبث الرسائل الإلكترونية ورسائل على الهواتف المحمولة لقادة الاحتلال الإسرائيلي، وكل ذلك يحسب إنجازا لكتائب القسام وللمقاومة الفلسطينية بشكل عام، وأعتقد أن ما تخفي حماس أكبر.
لا شك بأن التفوق التقني للاحتلال بدأ يتآكل، وذلك بإرادة وتميز وإبداع الشباب الفلسطيني الواعي والمثابر، وبعد الاستيلاء على الطائرة وغيرها من التقنيات الحديثة، يعيش الاحتلال الإرباك والقلق، فقد أثبت المقاومة قدرتها على السير قدما بخطوات ثابتة مثمرة في المعركة التقنية.
ومع هذا لحذر المبالغة والركون والاستسلام لهذه الإنجازات الأولية، أو تضخيمها بطريقة تؤثر على الحقيقة والنتائج، فمن المبكر الحديث عن تأثير إسقاط الطائرة على سلاح الجو الإسرائيلي بشكل جوهري، أو سحب طائرات الاستطلاع من الخدمة العسكرية في قطاع غزة، لكن المعركة التقنية تعطينا أملا أن نصل إلى هذه المرحلة وأكثر فيما بعد.