نشرت صحيفة
لوموند على موقعها الإلكتروني مقالا، تناولت فيه أبعاد استقالة عباس من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، معتبرة أن الخطوة ترمي لتحقيق ثلاثة أهداف، هي إزاحة منافسيه المحتملين، وعلى رأسهم
ياسر عبد ربه، الذي لازم الراحل ياسر عرفات وشغل منصب الأمة العامة، وإحكام سيطرة عباس على المناصب الاستراتيجية للسلطة، وبث رجاله فيها من خلال تعيين عريقات، كبير المفاوضين، مكان عبد ربه لتهيئته لتولي منصب الرئاسة، وثالثا، السعي إلى تدعيم موقف
فتح من المفاوضات مع إسرائيل بعد أن أعلنت حماس وجود اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل حول غزة .
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي أعدته نيكولا روبير، وترجمته "عربي21"، إن أخبارا راجت في الآونة الأخيرة حول حيثيات استقالة
محمود عباس من رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث اعتبر البعض من مقربي عباس أنه استقال؛ لأنه أصبح مرهقا من تقلد هذا المنصب، بينما يرجح آخرون ذلك بأنه لم يعد يقوى على تحمل أعباء الرئاسة.
وكان عباس قد قدم استقالته، الجمعة 21 آب/ أغسطس، من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، أهم مؤسسة من مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في خضم هذه التطورات، أعلنت حماس ولأول مرة وجود اتصالات مع إسرائيل حول مستقبل غزة، وهو ما أثار حفيظة عباس الذي اعتبر ذلك عقبة في مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية، في محاولة منه للأخذ بزمام المبادرة من جديد.
وبحسب الصحيفة، فان الاستقالة سيترتب عنها جلسة استثنائية للقيادة، لترتيب الأمور داخل الهيئة التنفيذية لمنظمة التحرير، إذ إنه من المنتظر أن تجرى انتخابات داخلية في أقرب الآجال، قد تفضي إلى إعادة انتخاب عباس، وهو ما سيؤدي إلى تزايد نفوذ فتح وإحكام سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية.
كما قدرت الصحيفة بأن هذا الإجراء الذي قام به عباس سيحسم عدة قضايا، أولها قضية ياسر عبد ربه، اليساري الشهير الذي رافق الراحل ياسر عرفات في مسيرته، والذي أقيل من منصب الأمانة العامة للمنظمة أوائل تموز/ يوليو الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول فلسطيني رفيع المستوى أن ذلك يعود لخلافات بين الرجلين، حيث إن خلافهما لا يمكن حله، فيما وقع الإعلان عن تعيين صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين مكانه، حيث وقع اتخاذ قرار الإقالة في إطار اجتماع لم يدع إليه ياسر عبد ربه، والذي وصف ذلك بكونه ابتزازا واستغلالا للسلطة.
واعتبرت الصحيفة أن استقالة عباس جاءت وفي وقتها، إذ إنها تمكنه من وضع رجاله في المفاصل الاستراتيجية لمنظمة التحرير، التي تجمع كل الفصائل الفلسطينية، باستثناء حماس والجهاد الإسلامي؛ إذ يأمل عباس أن تساهم هذه الخطوة في إقصاء رجال محمد
دحلان، المسؤول السابق للأمن في غزة، الذي لا يخفي نواياه السياسية، علما بأن هذا الأخير يعيش في منفى في الإمارات بعد صدور قرار إيداع في حقه بالسجن بتهمة "إهانة الرئيس".
كما يواجه دحلان أيضا تهمة اختلاس أموال أثناء توليه منصب الإشراف على أمن غزة، في حين اعتبر محامو الدفاع عن دحلان بأن الدعوى التي رفعتها النيابة العامة ضد موكلهم كانت بتعليمات من القصر الرئاسي.
وأوضحت الصحيفة أيضا أن استقالة عباس لا تعني مغادرته للقيادة فعليا، إذ إنه لازال يحتفظ بنفوذه، واعتبرت أن السلطة تعيش الآن حالة من الانتقال الهادئ، في إشارة إلى الأنباء التي توحي بخلافة عريقات لمحمود عباس.
ويبدو صائب عريقات بدوره المستبشر الوحيد بهذه الخطوة، إذ يعدّ الشخص الوحيد المحتمل توليه للمنصب الذي كان يشغله أبو مازن. ومن المعروف أن أبا مازن عرف عنه حزمه في التعامل مع منافسيه، الذين لطالما كانوا يحاولون تجاوز هيبته، إلا أن خلافة عريقات لعباس تعدّ خطوة غير مسبوقة من طرفه.
ولاحظت الصحيفة أن عريقات، أثناء مراسم توليه رئاسة منظمة التحرير بصفة مؤقتة، أظهر أمام الصحفيين يوم الجمعة الماضية بأنه يأخذ هذه المهمة على محمل من الجد، من خلال القرارات التي أعلنها.
فقد أكد في خطابه على استنكاره لتواصل السياسة الاستيطانية لإسرائيل في القدس، واعتقالها للفلسطينيين، ورغم أن عريقات عرف عنه تمسكه بنهج المفاوضات خيارا استراتيجيا، فإنه فاجأ الجميع بعزمه على مراجعة سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال.
يذكر أن منظمة التحرير كانت قد لوحت في آذار/ مارس الماضي برفضها هذا التنسيق، إلا أن موقفها لم يؤخذ على محمل الجد من قبل السلطة.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن تلكؤ عباس في إجراء الانتخابات الرئاسية التي وعد بها منذ سنة 2009، وتذرعه بعدم وجود ظروف مناسبة لتنظيم انتخابات، بالإضافة إلى قرار تعيين عريقات، يعكس مدى خوفه الشديد من انتخابات قد تنتصر فيها حماس، على غرار ما حدث في انتخابات سنة 2006، وتصبح بذلك الحاكم الفعلي في المقاطعة.