كتب خبير النفط والخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون، تقريرا عن الكشف الجديد لحقل
الغاز في البحر الأبيض المتوسط داخل المياه
المصرية، قائلا إنه سيحد من خيارات
إسرائيل.
ويقول هندرسون إن الكشف الذي أعلنت عنه شركة "إيني" الإيطالية، يعد من الأخبار الجيدة لمصر، لكنه سيعرقل خطط إسرائيل التي تماطل بها من أجل استغلال وتسويق الغاز المكتشف قرابة سواحلها. وبنظرة أخرى فإن هذا الكشف سيخلق مشكلات إقليمية ودولية مع
تركيا، خاصة أن الحقل يقع قريبا من المياه الإقليمية لجزيرة قبرص التي لا تعترف تركيا بحدودها.
ويشير التقرير إلى إعلان شركة "إيني" الإيطالية الكشف عن "حقل ضخم" للغاز الطبيعي على عمق 13 مترا تحت قاع البحر. وحجمه قد يصل إلى خمسة آلاف قدم، وربما احتوى على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، الذي يعد واحدا من أضخم الاكتشافات في التاريخ.
ويذكر الكاتب أنه وبحسب مجلة "بي بي" لمراجعة الأرقام العالمية حول
الطاقة، فإن مصر تملك 65 تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز، وعليه فإن الكشف الجديد قد يرفع الرقم إلى نسبة 45%، وبعبارة أخرى فإن الكشف يمثل حوالي 18 عاما من الاستهلاك الحالي للغاز المصري.
ويرى هندرسون أن الكشف قد يعقد من طموحات إسرائيل لبناء محطات استخراج الغاز، وإمكانية عقد صفقات مع مصر كونها مستهلكا وشريكا.
ويورد التقرير أنه بالمقارنة مع مصر، فقد اكتشفت إسرائيل 35 تريليون قدم مكعب في الماء، مع أن جزءا صغيرا منها "ثبت" وجوده. ويعد حقل "ليفياثان"، الذي لم يتم استغلاله بعد، الأكبر، ويحتوي على 22 تريليون قدم مكعب.
ويبين الكاتب أنه خلافا للتردد الإسرائيلي، فقد أعلنت شركة "إيني" أنها تنوي التسريع في عمليات تطوير الحقل المصري، مع أن استخراج الغاز منه لن يتم إلا بعد سنوات، ولكن الكشف قد يغير من واقع مصر. فمنذ عام 2011 وبعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، زاد الاستهلاك المحلي للغاز، فيما تراجع تصدير البلاد للغاز المسال، وفي الوقت ذاته انخفض تصدير الغاز المصري إلى الأردن في أنابيب فوق الأرض؛ بسبب عمليات التخريب التي تعرضت لها في شبه جزيرة سيناء.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن تناقص تصدير الغاز أدى إلى تأخير الفواتير المستحقة على مصر لشركات البترول والغاز، ما أدى ببعضها إلى مراجعة التزاماتها المتعلقة بالاستثمار، ومن هنا فإن اكتشاف شركة "إيني" قد يوقف هذا كله.
ويجد هندرسون أن حظ مصر الجديد قد يفاقم مشكلة إسرائيل وسياستها فيما يتعلق بالطاقة، التي أصبحت موضوعا ساخنا في النقاش المحلي. مشيرا إلى أن الكثير من الإسرائيليين لا يزالون قلقين من شركة "ديليك" الإسرائيلية، التي تشترك مع شركة الغاز الأمريكية "نوبل إنيرجي"، ويقولون إنهما ستحققان أرباحا من استغلال الغاز. وقد توقفت شركة "نوبل" عن العمل من أجل تطوير حقل "ليفياثان"، وأجلت توسيع حقل "تامار"، إلى ما بعد قرار مؤسسة التنظيمات الإسرائيلية المتعلقة بالبيئة.
ويستدرك التقرير بأنه رغم تركيز كل من "ديليك" و"نوبل" على توفير الغاز للمستهلك المحلي في إسرائيل، إلا أنهما منحتا أولوية لتصديره. ومن بين الخيارات التي تتم مناقشتها اتفاقية محتملة لنقل الغاز في أنابيب تقام تحت الماء، وتنقل إلى منشآت الغاز المسال المصرية. موضحا أن اتفاقا كهذا يحتاج إلى ما بين 15 إلى 20 عاما كي يحقق ثماره التجارية، ما يعني أن الاكتشاف المصري سيغير من تفكير إسرائيل، وهو ما بدا في تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتنيتز، الذي وصف الكشف المصري بأنه "تذكير مؤلم" بأن "إسرائيل تمشي وهي نائمة في عالم متغير".
وينوه الكاتب إلى التأخير في القرار الإسرائيلي لاكتشاف الغاز وتسويقه، مرجحا أن يدفع الاكتشاف المصري شركتي "ديليك" و"نوبل" إلى إعادة التفكير في التزاماتهما. وفي السياق ذاته ستعيد الشركتان التفكير في خطط استخراج خمسة تريليونات قدم مكعب من حقل "أفرودايت" القبرصي في ضوء الاكتشاف المصري. وقد تدفع هذه التطورات إسرائيل باتجاه التفكير بتصدير غازها إلى تركيا، الأمر الذي يعده هندرسون مستحيلا من الناحية السياسية، في ظل تسيد رجب طيب أردوغان للساحة التركية.
ويرجح التقرير اعتراض تركيا على الاكتشاف المصري، خاصة أن الحقل المكتشف يقع قريبا من المياه الإقليمية القبرصية التي لا تعترف بها تركيا. ويجد أنه في حال تم الكشف عن تمدد الحقل إلى داخل المنطقة الاقتصادية التابعة للجزيرة، فقد تقرر تركيا التدخل.
- ويخلص هندرسون إلى أن تركيا تعد منافسا إقليميا لمصر، فقد دعمت أنقرة الإخوان المسلمين، فيما قمعتهم القاهرة. مؤكدا أن التحديات السياسية الدولية والمحلية المفروضة على الغاز الواقع تحت المياه في شرق البحر المتوسط يعطي صورة عن أن المعوقات التقنية تبدو بسيطة.