كشف الباحث الأمريكي ويليام مكانتس كيف تحول إبراهيم البدري، المتحدر من مدينة سامراء
العراقية، من شخص هادئ الطباع إلى زعيم
تنظيم الدولة أبو بكر
البغدادي ذو الملامح الحادة.
وقال ويليام إن أبا بكر البغدادي كان في طفولته "منطويا، قليل الكلام، وبالكاد يُسمع صوته عندما يتحدث. والجيران الذين عرفوه عندما كان مراهقا يتذكرونه شخصا خجول لا يختلط بالآخرين. وحتى عندما كان الناس يصطدمون به خلال مباريات ودية في كرة القدم، وهي رياضته المفضلة، كان يظلُّ محتفظا بهدوئه ولا يبدو عليه أي انفعال".
وأوضح الباحث مكانتس، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمرز "بروكينكز"، أنه "في وقت مبكر، كانت كُنية إبراهيم (أبو بكر البغدادي) هي المؤمن"، وأضاف أنه في الصغر "كان يقضي معظم وقته في المسجد المحلي".
ورغم تدين عائلة البغدادي (محافظة)، يقول ويليام، "فقد انضم بعض أعضائها إلى حزب البعث، وهو منظمة اشتراكية مكرسة لهدف الأمة العربية الواحدة" بل إن اثنان من أعمام البغدادي اشتغلا "في أجهزة الأمن في عهد صدام، وأصبح أحد أشقائه ضابطا في الجيش. كما انضم أخ آخر له في الجيش وقُتل" في حرب العراق ضد إيران في الثمانينيات.
وكان من الممكن أن يلقى البغدادي مصير أخيه ذاته "لو استمرت الحرب لفترة أطول بقليل، أو لو أن ضعف البصر الذي يعاني منه لم يجعله غير مؤهل لتأدية الخدمة العسكرية".
عندما تخرج البغدادي، المزداد سنة 1971، من جامعة بغداد في العام 1996، "التحق بجامعة صدام للدراسات الإسلامية حديثة الإنشاء، حيث درس فيها لنيل شهادة الماجستير في تلاوة القرآن الكريم، وهو موضوعه المفضل. مما لا شكّ فيه أن معارف عائلته البعثية ساعدته على الدخول في برنامج الدراسات العليا، الذي يتطلب الالتحاق به درجة عالية من الانتقائية".
بين مكانتس أن البغدادي خلال فترة وجوده في كلية الدراسات العليا، "أقنعه عمّه، إسماعيل البدري، بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة عالمية تسعى لإقامة دول تحكمها الشريعة الإسلامية. وفي معظم البلدان تبنت جماعة الإخوان".
واماط الباحث الأمريكي اللثام عن جانب آخر من حياة البغدادي، وهو هواية كرة القدم المفضلة لديه، لقد "كان للمسجد ناد لكرة القدم، وكان البغدادي هو نجمه، ويُعرف باسم "ميسي فريقنا"، في إشارة إلى ليونيل ميسي، نجم كرة القدم الأرجنتيني الشهير. ويتذكر زملاؤه أنه في كثير من الأحيان كان يفقد أعصابه عندما يفشل في إحراز هدف".
نقلت صحيفة "التلغراف" العام الماضي عن أحد جيران البغدادي القدامى، أن البغدادي "أصيب في أحد الأيام باستياء شديد عندما شاهد مدعوين في حفل زفاف منخرطين في نشاط أزعجه وأصابه بالصدمة. فرفع صوته عليهم مستغربا: كيف يمكن لرجال ونساء الرقص معا هكذا؟". وتدخّل البغدادي لمنع المحتفلين من مواصلة الرقص".
بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وهزمها لجيش صدام، "ساهم البغدادي في تأسيس جيش أهل السنة والجماعة، وهي جماعة متمردة قاتلت القوات الأمريكية وحلفاءها المحليين في شمال ووسط العراق".
"وبعد فترة وجيزة، في شباط/ فبراير 2004، ألقي القبض على البغدادي في الفلوجة أثناء زيارة صديق له كان اسمه على قائمة المطلوبين من قبل أمريكا. وتم نقله إلى مركز الاعتقال في معسكر بوكا، وهو مجمعٌ واسع جدا في جنوب العراق. وجرى تصنيفه في ملفات السجن بأنه معتقل مدني، مما يعني أن معتقليه لم يعرفوا أنه كان جهاديا".
لم يكشف البغدادي النقاب عن تشدده، خلال الأشهر العشرة التي مكثها في السجن، و"كرَّس نفسه ووقته للتثقيف الديني. وفي هذا السياق، يقـول أحد زملائه من السجناء أجرت صحيفة "الغارديان" مقابلة معه من دون ذكر اسمه: (كان البغدادي شخصا هادئا يتمتع بكاريزما. ويمكن أن تشعر بأنه كان شخصا ذا أهمية). كما كان يؤم المصلين أثناء أداء الصلاة، ويلقي خطب الجمعة ويعطي دروسا دينية للسجناء الآخرين".
ومرة أخرى أدهش البغدادي رفاقه في السجن، وساجنيه أيضا،– في ملعب كرة القدم. وأطلقو عليه اسم "مارادونا" في معسكر بوكا، و مارادونا (اسم لاعب أرجنتيني سابق شهير).
وذكر مصدر "الغارديان" "في كل مرة وقعت مشكلة في المعسكر، كان البغدادي جزءا مهما منها. كان يريد أن يكون الرئيس في السجن. وعندما أنظر إلى الوراء الآن، أرى أنه كان يستخدم سياسة "فرّق تسد" للحصول على ما يريد، وقد نجحت سياسته وأفلح في مسعاه".
"وفي العام 2006، كان تنظيم القاعدة في العراق يُشكل منظمة شاملة تندرج تحت مظلتها الجماعات الجهادية المقاومة للاحتلال الأمريكي. وكانت الجماعة التي يقودها البغدادي من أول المنضمين لها".
وبعد فترة وجيزة، أعلن
الزرقاوي عن نيته إقامة دولة إسلامية، "مخالفا بذلك وبشكل مباشر تعليمات تنظيم القاعدة له للانتظار إلى ما بعد انسحاب الأمريكيين ولحين يتمكن تنظيم القاعدة في العراق من كسب التأييد الشعبي لإقامة الدولة".
لكن بعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية في شهر حزيران/ يونيو، "استمر خلفه، أبو أيوب المصري، وهو جهادي مصري، في تنفيذ الخطة، وأعلن عن تأسيس الدولة الإسلامية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وحلَّ تنظيم القاعدة في العراق".
مؤهلات البغدادي العلمية، جعلت التنظيم الجديد يسند للبغدادي "مسؤولية الشؤون الدينية في الدولة الإسلامية في بعض من محافظاتها العراقية".
"إن شهادات البغدادي العلمية الحديثة، وكذلك العمل الذي قام به في إدارة الشؤون الدينية للدولة الاسلامية، وضعته في دائرة اهتمام أبو أيوب المصري، الذي عيّنه مشرفا على لجنة الشريعة. وبالتالي، فهو الذي يتولى فرض كل القيود الدينية في الدولة الإسلامية. كما رشحه المصري أيضا لينضم إلى مجلس الشورى المكون من 11 عضوا".
عقب وفاة قائدي "الدولة الإسلامية"، وجد رئيس المجلس العسكري فيها حجي بكر نفسه فجأة في وضع يمكنه من التحكم بعملية الخلافة، وبما أنه سبق أن خدم كضابط في جيش صدام، لذلك يؤاخذ عليه أنه اشتغل في نظام "غير إسلامي، وبالتالي فلا فرصة أمامه للمنافسة على منصب القيادة العليا بنفسه"، فدفع أبا بكر البغدادي للقيادة.
وفي حزيران/ يونيو 2014، شن تنظيم الدولة وحلفاؤه هجوما خاطفا على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. "واستولوا على المدينة بالقليل من الجهد، إذ كان عناصر قواتها الحامية والشرطة المحلية محبطين ومرعوبين من أشرطة الفيديو، إلى حد جعلهم عاجزين عن الصمود والقتال".
بعد هذا النصر للتنظيم أعلن البغدادي خلافته قائلا: "ولّيت عليكم ولستُ بخيركم ولا أفضل منكم"، ثم أضاف: " أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". وكانت هذه العبارة مقتبسة من خطبة الخليفة أبي بكر الصديق عند تنصيبه أول خليفة على المسلمين من قبل أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.