نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي الأسترالي بيتر
غريستي، حول قضيته وزملائه في
مصر.
ويبدأ غريستي مقاله بالسؤال: "ما هو تعريف الصحافي؟"، ويجيب قائلا: "إنه سؤال أساسي، والجواب عليه مثير للجدل، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي شوشت الخط الذي يميز الصحافي المحترف عن الصحافي المواطن. ولكن التعريف الذي لا يثير جدلا بالتأكيد هو أن الصحافي هو شخص معتمد من مؤسسة إخبارية معترف بها، وقد أنتج مجموعة من الأعمال المقبولة والدقيقة والمتوازنة، سواء كانت مطبوعة أو إذاعية، ويعترف بها على أنها أعمال (صحافية)".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع هذا فإن محكمة مصرية وجدت أني وزملائي لسنا صحافيين شرعيين. وفي أواخر الشهر الماضي قررت المحكمة أنه ولعدم انتسابنا لنقابة الصحافيين المصريين، وهي الجسم الصحافي للعاملين بالصحافة محليا، لا يمكن وصفنا على أننا صحافيون. ذلك بالرغم من أن محامي نقابة الصحافيين قال للمحكمة إن القانون لا يطلب من المراسلين الأجانب التسجيل في نقابة الصحافيين، وإن النقابة لا مانع لديها من تسجيلنا بأثر رجعي، وذلك للتأكيد على أننا (صحافيون) من وجه نظر النقابة".
ويقول غريستي: "إن المحكمة حكمت بأننا قمنا بخرق مجموعة من القوانين المتعلقة بترخيص المعدات، وبث الأخبار الكاذبة لتقويض الأمن القومي. وبعدها حكمت بالسجن لمدة ثلاث سنوات علي وعلى زميلي محمد فهمي، وأضافت حكما بالسجن لمدة ستة أشهر لزميل ثالث في فريق العمل وهو باهر محمد؛ لأنه كانت معه رصاصة واحدة التقطها ذكرى من ساحة القتال في لبييا".
ويوضح الكاتب أنه "ردا على الانتقاد الموجه للحكم قالت وزارة الداخلية إنه تمت إدانتنا في خروقات محددة للقانون، وإنه لا علاقة لذلك بحرية
الصحافة. ولإبراز وجهة نظرها قالت إن هناك آلافا من الصحافيين المحليين والأجانب يعملون في مصر بحرية".
ويؤكد غريستي أن "هذه الأخيرة صحيحة، بشكل جزئي على الأقل، فآلاف الصحافيين يعملون في مصر دون أن ينتهوا بالسجن، فدعونا نتوقف هنيهة ونسأل ماذا تعني قضيتنا لهم؟".
ويشير الكاتب إلى أنه "كما لاحظ كل مراقب مستقل للمحاكمة، فإن محامي الادعاء فشل في تقديم أي دليل على صحة التهم الموجهة إلينا. فمثلا الأخبار التي نشرناها متوفرة للجميع، وهي موجودة على الإنترنت، وباستطاعة أي شخص مراجعتها، ويعرف كل مراسل، لم يكن دقيقا في المعلومات، أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من شبه المستحيل نشر أخبار (كاذبة) دون افتضاح أمره خلال فترة بسيطة، ناهيك عن 20 شهرا مرت منذ اعتقالنا في كانون الثاني/ ديسمبر 2013، ومع ذلك لم يستطع أحد، ولا حتى محامي الادعاء أن يظهر لنا أخبارا كاذبة أنتجناها أو زورناها بأي شكل من الأشكال".
ويفيد غريستي بأنه "لذلك، وفي غياب الأدلة، يعد أكثر المراقبين أن الأحكام الصادرة بحقنا صدرت بدوافع سياسية، وأن اعتقالنا ومحاكمتنا وسجننا كان الهدف منه بعث رسالة، لا ندري ما هي الرسالة بالضبط، ولكن واضح كيف سيفهمها أي صحافي يشاهد المحاكمة".
ويلفت الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "وزارة الخارجية الأمريكية قالت إنها أصيبت (بخيبة أمل كبيرة)؛ بسبب الحكم الذي (يقوض حرية التعبير) ذاتها الضرورية للاستقرار والتطور".
ويورد غريستي أن المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان قال: "أثارت الأحكام الثلاثة، وما تجره من ضغط إضافي على الصحافيين في مصر، الذين يحاولون القيام بعملهم، الانزعاج الشديد لدينا".
ويذكر الكاتب أنه بحسب الاتحاد الأوروبي، فإن الأحكام قد شكلت "تراجعا لحرية التعبير في مصر".
ويقول غريستي: "توجد لدى مصر مشكلة أمنية، فهي تحارب المتطرفين، الذين أعلنوا ولاءهم لتنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، وهناك هجمات مسلحة ضد قوات الأمن. وفي يوم من أيام محاكمتنا تم اغتيال المدعي العام بتفجير موكبه. ويبقى السؤال إن كان إسكات الصحافة يساعد أو يعرقل هذا النوع من التطرف العنيف".
ويضيف الكاتب: "دعوني أكن واضحا، أنا لا أدعو إلى نشر أي شيء يحرض على العنف،ولا أقول بأن علينا أن نعطي الحرية لكل من أراد أن يعرض أفلام فيديو دعائية، كتلك التي يعرضها تنظيم الدولة. ولا أقترح أن نعطي مساحة مفتوحة لأي شخص يدعو إلى الكراهية والتعصب".
ويستدرك غريستي قائلا: "لكنا أيضا تعلمنا بعد جهد أن الديمقراطيات المستقرة، التي تعمل بشكل جيد، تحتاج إلى صحافة حرة وغير مقيدة، تستطيع أن تحقق في الآراء المتطرفة عموما، بالقوة ذاتها التي تحقق فيها مع الحكومات التي تتصرف باسمنا".
وينوه الكاتب إلى أنه حتى الدستور المصري يقر بأهمية هذا الدور، حيث تنص المادة 70 على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة". والمادة 71 تمنع الرقابة، وتقول بصراحة: "لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية".
ويبين غريستي أن "باهر وفهمي في السجن ثانية، وأنا وستة آخرين من صحافيي (
الجزيرة) محكومون غيابيا، وعرضة للتسفير إلى مصر؛ لنقضي محكوميتنا كلما مررنا بحدود دولية".
ويجد الكاتب أن هذه الحقيقة المرة تسيطر على فكر كل مراسل صحافي في مصر، عندما يبدأ بكتابة أي تقرير. مشيرا إلى أنه ليست هناك حاجة الى بعد نظر لفهم أثر ذلك على حرية التعبير.
ويختم غريستي مقاله بالقول إن "الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي قال في أكثر من مناسبة إنه إن تمت إدانتنا فسوف يفكر في إصدار عفو. وقد أساءت المحكمة التقدير، وهذا ما سيكون له أثر سيئ على حرية الصحافة، ويسبب تراجعا في الديمقراطية في مصر، فندعوه إلى ضرورة استخدام نفوذه لرفع هذا الظلم، وإطلاق سراح المساجين الأبرياء، وتبرئة الأشخاص كلهم في هذه القضية".