كتاب عربي 21

تنظيم الدولة والعملة الذهبية: بين الشعارات والتطبيق

1300x600
إن فكرة اعتماد الدينار الذهبي أو الدرهم الفضي عملة أساسية في العالم الإسلامي، أو بصفة عامة في المناطق التي تخضع لسيطرة الجماعات الإسلامية، لها قدر كبير من الإغراء. فقد حققت الدولة الإسلامية قدرا كبيرا من الضجيج بشأن خطتها المقترحة لتنفيذ استخدام الدينار والدرهم عملة حصرية في المناطق التي تسيطر عليها بدون متابعة فعلية على الواقع. وأثار إعلان تنظيم الدولة اعتماد الدينار والدرهم عملة حصرية في مناطق سيطرته جدلا كبيرا. وأدى هذا الأمر دورا دعائيا لصالح تنظيم الدولة، وهذه هي الغاية التي أراد التنظيم تحقيقها من وراء هذا الإعلان.

ويجنب إدخال عملة ترتبط بالعصر القديم للإسلام، واعتمادها وسيلة رابط مع النظام المالي لباقي العالم، المسلمين المشاركة اللاإرادية في الربا والديون، ويخلص الأمة من سيطرة عصابات التآمر على العالم التي تمثلها عائلات روتشيلد/ و المتنورين / والماسونية /؛ هذه كلها أفكار تمثل جاذبية كبيرة للمسلمين بصفة عامة، ولأنصار تنظيم الدولة بصفة خاصة. ومع ذلك، فهناك عدم رضا متنام عن العملة الورقية، إذ ليس المسلمون وحدهم فقط هم من ينادون بعودة استخدام عملات الذهب والفضة. 

ويمثل ذلك جزءا من رد الفعل العالمي العنيف ضد التلاعب والفساد المالي للبنوك والطبيعة التعسفية للسياسة المالية، وتقييم العملات، وما إلى ذلك. كما عزز الانهيار المالي العالمي في عام 2008 من رغبة الناس في استخدام الأموال التي لها قيمة متأصلة بدلا من الاحتفاظ بالأوراق التي لا يمكن صرفها فعليا أبدا. لذلك أدخلت 10 ولايات أمريكية على الأقل تشريعات تنادي بإدخال العملات الذهبية عملة قانونية. واستشهد مؤلفو التشريعات بالنص الدستوري القائل "ليس على أي ولاية... صنع أي شيء غير جعل عملات الذهب والفضة هي طريقة دفع الديون"، مشيرا بموجب ذلك إلى أن استخدام الأوراق النقدية المصرفية عملة غير قانونية فعليا.
 
إن القاسم المشترك بين المشرعين وتنظيم الدولة، هو في الأساس المقترحات بشأن القيمة الفعلية التي يجب وضعها أمام ناخبيهم ذوي الصلة. في الولايات المتحدة، فهناك حزب الشاي، ومناهضو الحكومة، والأجنحة اليمينية المتطرفة، التي يظهر أنها ناقمة على المصوتين من الطبقة الوسطى الدنيا الذين لديهم عدم ثقة متأصلة بالنظام، والذين قد يرحبون جدا بفكرة إعادة أيام رعاة البقر من الغرب المتوحش. أما تنظيم الدولة، فهو يضع تقريبا نوع التقسيم ذاته في المجتمع المسلم. فالدعاية للدنانير الذهبية تجعل الأوهام التي يروج لها التنظيم تبدو ملموسة، والمشكلة هي، أن الأمر غير متضح بسبب عدم وجود أي تنفيذ فعلي.

ولأن اعتماد الذهب والفضة عملة عامة ليس أمرا بسيطا كما هو الحال في استبدال عملة ورقية مقابل الأخرى، فالأمر ليس مثل الانتقال من الفرنك إلى اليورو، أو من اليورو إلى الدراخما؛ حيث إن الأساس المنطقي وراء استخدام الذهب والفضة هو في الأساس بطلان وفساد العملة الورقية، وعلى ذلك فمن غير الممكن فعليا استبدال العملة الورقية بالعملات الذهبية. فالذهب له قيمة، عكس الأوراق المالية. فماذا بشأن الثروة التي جمعها الناس على شكل احتياطي؟ بالمنطق الذاتي في النقاش بشأن العملات الذهبية، لا يمكن سوى طمس جميع الثروات النقدية السابقة الوجود، وليس استبدالها.

حتى ولو أمكن تجاوز هذه المشكلة من خلال نوع معين من التسوية حيث تسمح بالاحتفاظ بالعملات الورقية لتحويلها إلى دينارات، فستواجه على الفور المشكلة الأكثر وضوحا مع هذا المقترح باستخدام عملات الذهب والفضة: وهي العرض.

والآن، فإن مسألة العرض ستكون هي الخطوة الأولى بصفة طبيعية عند التخطيط لاستبدال العملات، وحقيقة لم يقدم أي من المشرعين، سواء كان تنظيم الدولة أم الأمريكيين، فكرة بشأن كيفية سك عملات ذهبية بدون وجود ذهب، ما يكشف ضعف مقترح العملة الذهبية وأنه موجه للاستهلاك الإعلامي فقط.
 
لهذا يتطلب اعتماد العملة الذهبية عملا جبارا، فعمليات تصميم مظهر العملات، وصك النماذج، هي من ضمن الخطوات الأخيرة، وليست الخطوات الأولى التي يجب اتخاذها.

وإذا كان من الممكن فقط استبدال العملات الورقية بعملات الذهب والفضة على مستوى جزئي، في مقابل المستوى الكلي، فالأمر الذي يمكن التفكير فيه بواقعية عند هذه النقطة؛ هو لماذا يجب أن يكون الأمر بالذهب والفضة بصفة مطلقة؟

فإذا كان عليك اعتماد عملة جديدة في منطقة محددة باستخدام بعض أشكال السلع ذات القيمة المتأصلة بها، وتداول هذه العملة في نطاق الحدود الإقليمية فقط، فصراحة قد يمكن أن تكون هذه العملة من أي شيء.. من الشعير، أو القمح، أو التمر، أو حبوب القهوة. فنظام المقايضة كان في الواقع النظام الأكثر استخداما في التطبيق في حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.