قضايا وآراء

"القنبلة" التي في حوزة الرئيس!

1300x600
طالعتنا وسائط الإعلام خلال الأسبوع الأخير بتصريحات للرئيس الفلسطيني محمود عباس قال فيها إنه يعتزم "تفجير قنبلة في أثناء خطابه في الأمم المتحدة". تسابق الرسميون الفلسطينيون لتبرير تصريحات عباس، وتهيئة المناخات لـ"قنبلته" المنتظرة في ظل إنسداد آفاق التسوية السياسية، وثقل الضغوط الدولية التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية لتحريك عجلة المفاوضات، المتعثرة أصلا، مع إسرائيل. وانبرى المهتمون بالشأن الفلسطيني، كذلك، بالتنبؤ بمفاجأة الرئيس الفلسطيني مع ربطها بالحراك الدبلوماسي الذي تشهده أركان السلطة الفلسطينية، هذه الأيام، والتي كان آخرها زيارة عباس نفسه إلى الأردن ومصر ولقائه الملك عبد الله الثاني وعبد الفتاح السيسي، ويبدو أن الزيارة أُعدت خصيصا لإطلاعهما على تفاصيل الخطاب المرتقب في الأمم المتحدة، ومضمون "القنبلة" التي سيفجرها هناك.

لم يُعرف عن الرئيس الفلسطيني طوال عشر سنوات من توليه رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أنه رجل مفاجآت أو "قنابل موقوتة" كالتي يتوعد بها المجتمع الدولي مع انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة أواخر سبتمبر الحالي. مرت اثنتين وعشرين سنة على انطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية أوسلو، تنكرت خلالها دولة الاحتلال للاتفاقات الموقعة برعاية وضمانات دولية، ولم تشأ الدخول في مفاوضات الحل النهائي أو قضايا الحل الدائم، فواصلت قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعززت الإستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، وشدّدت الحصار ودخلت في حربٍ مفتوحة مع غزة، وهوّدت مدينة القدس بتاريخها وحضارتها ومعالمها الإسلامية والمسيحية. ومضت ثماني سنوات ثقيلة من الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة منذ نشوب الإقتتال الداخلي بين الحركتين الفلسطينيتين الأكبر: فتح وحماس، وما أعقبه من انقسام الحقل السياسي إلى حكومتين متنازعتين إحداهما تحت الاحتلال في الضفة الغربية، والثانية تحت الحصار في غزة.. مرت هذه السنوات الثقيلة، بكل ما فيها ومن فيها، دون أن يفاجئ الرئيس الفلسطيني أحداً، ودون أن يستخدم "قنابله" المزعومة، كان فقط يحمل شكواه وروايته المكرورة إلى أشقائه العرب وأصدقائه الإقليميين علهم يحركوا الجيوش ويهبوا لمحاربة إسرائيل لإنهاء احتلالها، ويُقيموا الدولة الفلسطينية، ويحققوا آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والاستقلال، أو يرعوا بحيادية وتجرد مصالحة حقيقة وناجزة بين الفلسطينيين تنهي انقسامهم المرير، وتستعيد وحدتهم المفقودة لتأسيس الشراكة الوطنية التي يرتضونها.

ماذا يمكن أن يضيف الرئيس الفلسطيني؟ وعن أي قرارات يمكن أن يتحدث في الأمم المتحدة بعد أن أطاحت إسرائيل باتفاقاتها وتعهداتها السابقة مع السلطة الفلسطينية؟.. لا نتجنى على الرجل إن قلنا أن جعبته تخلو تماما من المفاجآت أو القنابل الموقوتة، فقد أصبح المسرح السياسي الفلسطيني هشاً ومكشوفا تماما، فمن ناحية داست دبابات"شارون-أولمرت- نتنياهو" اتفاقات أوسلو وملحقاتها، وانهت اثنتين وعشرين سنة منذ الاتفاق دون أن يقود الحكم الذاتي المحدود إلى دولةٍ فلسطينية صاحبة سيادة وولاية على أراضيها، ومن ناحية ثانية فإن المجتمع الدولي، الذي سيوجه عباس خطابه إليه، مطلع تمام الإطلاع على جرائم إسرائيل اليومية ضد الفلسطينيين ومتواطؤ معها، ومن ناحية أخيرة فإن ممثل الفلسطينيين يذهب إلى الأمم المتحدة بمفرده دون أن يتكئ على موقف وطني صلب وإجماع شعبي يسند مبادراته ويحمي تطلعاته. 

إن أراد الرئيس الفلسطيني أن ينهي اتفاق أوسلو فقد سبقته إلى ذلك إسرائيل، وإن قال بوقف التنسيق الأمني، فإن المجلس المركزي لمنظمة التحرير إتخذ قراراً بهذا المعني في اجتماعه الأخير دون يصار إلى تنفيذه على أرض الواقع، وقد تحدّت وقتها المؤسسة الأمنية في إسرائيل إقدام السلطة الفلسطينية على وقف التنسيق الأمني بوصفه مصلحة مشتركة، ويؤسس لتفاهمات جد مهمة بين الجانبين، وإن كان الرئيس سيقول بالفم الملآن إن فلسطين ما تزال دولة تحت الاحتلال ويطلب حماية دولية، فإنه لم يأت بجديد، فواقع الحال يشير إلى أن فلسطين دولة تحت الاحتلال، وأن المجتمع الدولي فوّض أمرها لإسرائيل .أما إن كان الرئيس الفلسطيني عاقد العزم على الاستقالة من مناصبه وتسليم "مفاتيح" السلطة الفلسطينية، فليس الأمم المتحدة ولا أعضائها هي العنوان، ولا المكان الملائم لتقديم أو قبول الإستقالة..عليه أن يعود إلى الشعب الذي فوضته المسؤولية وحمله إياها قبل عشرة أعوام.    

انتهى،،