توشك مفاوضات
سد النهضة بين
مصر وإثيوبيا على الانهيار بعد انسحاب المكتب الاستشاري الهولندي المكلف بإعداد الدراسات الفنية حول تأثير المشروع على مصر والسودان، بالتعاون مع المكتب الاستشاري الفرنسي، وسط اتهامات لنظام عبد الفتاح السيسي بالتهاون في حقوق مصر المائية والسقوط في "فخ أثيوبي".
وأعاد انسحاب المكتب الهولندي المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى نقطة الصفر، حيث سيصبح أمام الدول الثلاث إعادة طرح مناقصة دولية لاختيار مكتب بديل لإجراء الدراسات، وهو ما قد يستغرق عامين، وهما كافيان لتكون إثيوبيا قد استكملت بناء السد، بحسب خبراء.
وقال مستشار وزير الري المصري علاء ياسين، إن خلافات بين المكتبين حول أسلوب التعاون بينهما في تقاسم الدراسات الفنية للسد، حيث أكد المكتب الهولندي أنها لا تضمن إجراء دراسات حيادية وموثوقة، معلنا انسحابه من المشروع.
وتواصل "أديس أبابا" بناء السد للعام الثالث على التوالي، وأعلنت مؤخرا اقترابها من بناء نصف السد، حيث أكد مدير المشروع سمنجاو بقلي انتهاء الشركة المنفذة للمشروع من 47% من أعمال الإنشاء المستهدفة، بحسب ما نقله التلفزيون الرسمي يوم الأربعاء الماضي.
إثيوبيا خدعت مصر
وكانت مجموعة من أكبر خبراء مياه النيل في مصر قد عقدت اجتماعا طارئا الأربعاء الماضي، وأصدرت بيانا حول الأزمة، قائلة إن "مسار المفاوضات الحالي بين الدول الثلاث وصل إلى طريق مسدود".
وطالبت المجموعة -في بيانها الذي تلقت "
عربي21" نسخة منه- بعقد قمة ثلاثية بين زعماء مصر والسودان وإثيوبيا للتفاوض السياسي حول تجنيب مصر أضرار السد، محذرة من أن إثيوبيا تحقق أهدافها بمرور الوقت وأن أضرارا كارثية مائيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وسياسيا ستقع على مصر.
وأضافت المجموعة أنه إذا فشلت كل الجهود الدبلوماسية مع إثيوبيا فيجب على مصر أن تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي حفاظا على حقوقها المائية، محذرة من أن مصر لن تكون قادرة في المستقبل على ملء بحيرة السد العالي مرة ثانية مما سيفقد السد العالي فائدته.
وقال هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية وأحد أعضاء المجموعة، إن مصر تعرضت للخداع من جانب إثيوبيا التي تلاعبت بالحكومة المصرية وأدخلتها في تفاصيل لا تنتهي بغرض استهلاك الوقت بينما تواصل أديس أبابا بناء السد".
وكان المتحدث باسم وزارة الطاقة الأثيوبية، بزونة توليشا، قد نفي -في تصريحات لوكالة أنباء "الأناضول" التركية الجمعة- الاتهامات المصرية لبلاده بالمماطلة وأكد أن إثيوبيا تعمل بكل صدق لإقامة شراكة حقيقية حول مياه النيل بين دول المصب (مصر والسودان) ودول المنبع".
اجتماع عاجل في القاهرة
من جانبه، أعلن حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري المصري، في مؤتمر صحفي السبت، أن القاهرة دعت لعقد اجتماع عاجل يضم خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا بالإضافة إلى المكتبين الفرنسي والهولندي للتوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية بين المكتبين، مشددا على أن إدارة ملف الأزمة يحتاج إلى الصبر ومنح الفرصة للخبراء للتوصل إلى حلول للمشكلات التي يواجهونها.
وأعلن حسام مغازي وزير الري المصري في آب/ أغسطس الماضي توقيع اتفاقية تعاون مع بابا الأقباط تواضروس الثاني، لإشراك الكنيسة في جهود الحكومة لحل أزمة سد النهضة وإنقاذ النيل عبر تأثيرها الثقافي والديني في إفريقيا، لكن خبراء قالوا اللجوء للكنيسة لحل الخلاف حول مياه النيل لن يكون مجديا في هذا الوقت المتأخر من عمر الأزمة.
وأعلن رئيس الوزراء المصري الجديد شريف إسماعيل، في تصريحات أدلى بها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب أداءه اليمين الدستوري السبت، أن هناك ثلاثة اعتبارات تحكم تناول القاهرة لملف سد النهضة هي ألا يؤثر بناء السد على حصة مصر المائية وألا تكون له استخدامات سياسية، وأن يدعم السد التطور الذي تقوم به مصر في المرحلة المقبلة، دون أن يوضح طبيعة هذا التطور.
وتتخوف مصر من أن تتقلص حصتها السنوية من مياه النيل - والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب - بسبب بناء سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على مجرى نهر النيل، في حين تؤكد أديس أبابا أن السد لن يسبب أي ضرر على السودان ومصر، وأنه سيستخدم في توليد الطاقة الكهربائية التي تحتاجها البلاد بشدة.
وكان عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، قد وقع في آذار/ مارس الماضي مع إثيوبيا اتفاق مبادئ حول سد النهضة، تضمن اتفاق البلدين على العمل معا في كل المجالات وتجنب الإضرار بأي منهما، لكنه اتفاق غير ملزم ولا تترتب عليه أي تبعات.
تحركوا لمنع الكارثة
وأثار هذا التطور الأخير قلقا عميقا في أوساط الخبراء والسياسيين المصريين، من الآثار السلبية المتوقعة للأزمة، والتي تهدد بحرمان البلاد من جزء كبير من حصتها التاريخية في مياه النيل.
وطالبت أحزاب وقوى سياسية مصرية الرئاسة والحكومة باتخاذ خطوات جادة حيال هذا الملف للحفاظ على حقوق مصر المائية ومنع الكارثة من الوقوع.
وقال حزب الجيل الديمقراطي، إن مسار المفاوضات الحالي بين دولتي المصب (مصر والسودان)، من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، لا يحقق مصالح مصر، محذرا من أن إثيوبيا تتخذ من هذه المفاوضات وسيلة للمماطلة والتسويف حتى تفرض السد على مصر أمرا واقعا لا يمكن تغييره".
وحذر البيان، الذي تلقت "
عربي21" نسخة منه، من أنه بعد انسحاب المكتب الاستشاري الهولندي من إعداد الدراسات المطلوبة للمشروع، لم يتبق سوى المكتب الفرنسي الذي يفتقد الحياد بسبب ارتباطه بالكثير من المشروعات مع إثيوبيا.