شن رئيس تحرير صحيفة "صوت الأمة"، عبدالحليم قنديل، هجوما حادا على البرلمان المزمع انتخابه بمصر، في الشهرين المقبلين، ووصفه بأنه "برلمان البؤس المقبل"، و"برلمان "النوايا السيئة"، و"برلمان الثورة المضادة"، و"برلمان أقلية الأقلية"، مؤكدا أنه لا يمثل الشعب، وأنه "برلمان افتراضي مهدد بالحل في لحظة غضب رئاسي"، وقد "طلعت ريحته"، وفق وصفه.
جاء ذلك في أحدث مقالات قنديل، في عدد هذا الأسبوع من الصحيفة، تحت عنوان: "برلمان "النوايا السيئة". وتنفرد صحيفة "
عربي21" بتلخيصه هنا، نقلا عن هذه الصحيفة الورقية.
في البداية قال قنديل: "ربما لا نكون بحاجة إلى دعوة لمقاطعة الانتخابات، فسوف يقاطعها أغلب الناس تلقائيا، وسوف تتدنى نسب المشاركة الشعبية بصورة غير مسبوقة منذ ثورة يناير 2011".
وعلل الكاتب استنتاجه هذا بأنه: "لا ناقة، ولا جمل، ولا دور، ولا أمل، للشعب
المصري في انتخابات معروفة النتائج سلفا، ولا مصلحة لأغلبية المصريين من الفقراء، والطبقات الوسطى، في برلمان البؤس المقبل"، على حد تعبيره.
وأضاف: "لا تتعب نفسك في السؤال عن هوية البرلمان الجديد المنتظر، فهو برلمان الثورة المضادة بامتياز، وبزعامة الفلول، لا الإخوان هذه المرة، وهو برلمان أقلية الأقلية من الشعب المصري، وقد لا تصل الكتلة التي يمثلها إلى نحو 2% من إجمالي الناخبين، فالانتخابات تجرى بالنظام الفردي، وقواعده معروفة، ومصممة خصيصا لإهدار أصوات غالبية الناخبين".
وأردف: "لو تخيلنا ـ مثلا ـ أن مائة ناخب ذهبوا للتصويت في دائرة ما، فسوف يفوز بالمقعد من يحصل على 51 صوتا، هذا إن فاز أحدهم من جولة التصويت الأولى، ولأن ذلك لن يحدث غالبا مع كثرة أعداد المرشحين، فسوف تعاد الانتخابات غالبا، وينزل عدد المصوتين المائة إلى عشرين، ويفوز بالمقعد في الإعادة من يحصل على 11 صوتا لا غير".
هنا عقب قنديل بالقول: "المعنى ظاهر في المثال المبسط، فنحن بصدد تشكيل برلمان لا يمثل سوى عشرة بالمائة تقريبا من المصوتين، فما بالك بقياس نسبة تمثيل البرلمان إلى إجمالي الناخبين المسجلين، وعددهم في مصر الآن يقارب 54 مليونا؟".
واستطرد: "قد لا نتوقع ذهاب أكثر من 14 مليونا إلى صناديق التصويت هذه المرة، أي بنسبة تتناهز العشرين بالمائة من إجمالي الناخبين، وهو ما يعني أن البرلمان المقبل لن يمثل سوى 2% من الشعب المصري.. هذا بافتراض أن أحدا لن يتلاعب بإجراءات التصويت".
ورجع قنديل إلى بدايات بذر بذور البرلمان المزمع.. فأوضح أنه "جرى قرار نظام الانتخاب الفردي لصناعة "برلمان النوايا السيئة"، وزادت النوايا سوءا على سوئها بتعمد "العك التشريعي" في صياغة قوانين الانتخابات، وتعلية سقف الإنفاق الانتخابي، وتقسيم الدوائر، بحسب الاعتبارات الأمنية لا الدستورية، وإهدار مبدأ المساواة، وتكافؤ الفرص بين المرشحين والمرشحين، وبين الناخبين والناخبين، وهو ما يجعل البرلمان عرضه للطعن الدستوري على إجراءات انتخابه، وهو ما حدث، ويحدث، وسيحدث، وفق قوله.
برلمان مهدد بالحل
والأمر هكذا، توقع قنديل أن يكون "برلمان النوايا السيئة" قصير العمر، وواقعا تحت سيف قرار حل مؤكد أن تصدره المحكمة الدستورية في وقت تقدره، وتبقى للسلطة الرئاسية حق التنفيذ في الوقت الذي تراه مناسبا"، كما قال.
وأضاف: "المحصلة أن البرلمان المقبل لا يمثل الشعب، ثم إنه برلمان التمثيل، والحضور الحصري للفلول (يقصد أعضاء "الحزب الوطني المنحل")، والمصادرة شبه الكاملة على حق الشعب في تشكيل برلمانه، وإنشاء برلمان افتراضي مهدد بالحل في لحظة غضب رئاسي".
واستدرك: "بصرف النظر عن رفضنا المبدئي للعبث بالدستور، والتعامل معه كمنديل "كلينكس" (ورقي)، فما كان للرئيس (يقصد
السيسي)، أن يتحدث بهذه الثقة المفرطة، وأن يطلب من برلمان ـ لم يتشكل بعد ـ معاقبة نفسه، إلا إذا كان يعرف مدى هشاشة وركاكة البرلمان المقبل، وأنه لن يكون سوى غرفة إضافية ملحقة بالسلطة التنفيذية، وأنه ليس البرلمان المقبل سوى أن يُؤمر فيطيع، وإلا كان "الحل المستعجل" مصيره المكتوب"، على حد قوله.
قنديل، المعروف بدعمه للسيسي، تابع حديثه: "قد لا تكون علاقة البرلمان بالرئيس هي الأهم، وهي علاقة خضوع إجباري، خوفا من النوايا السيئة، فالبرلمان السيئ قليل الحيلة، وليس له أن يحتمي بدفء الناس الذين لا يمثلهم، وهم أغلبية المصريين الساحقة، ولديهم همومهم وأشواقهم وأحزانهم وآمالهم، وبما لا يتسع له وعاء البرلمان ضيق التمثيل إلى حد الاختناق، وهو ما يعني إغلاق الطريق البرلماني في التعبير عن مصالح الناس".
وتابع فكرته: "حين يُغلق طريق، فلا بديل سوى أن ينفتح طريق آخر"، مشددا على أن إغلاق طريق البرلمان يعني فتح الطريق مجددا إلى الميدان، والعودة إلى الشارع، ليس لصناعة ثورة جديدة بالضرورة، بل لإشهار غضب اجتماعي واسع، تنغلق دونه أبواب البرلمان، وهو غضب لا تفيد في صده الحواجز الأمنية إياها.. غضب لا علاقة له بقصة الإخوان الذين يُتركون وشأنهم، فقد جربهم الشعب في برلمان ورئاسة كانت تشبه "شربة زيت الخروع".
وماذا عن البرلمان المزمع؟
رأى عبدالحليم قنديل أنه "بينما تبدو تجربة البرلمان الفلولي المقبل أقرب إلى "شربة الطين"، فهو برلمان "طلعت ريحته"، حتى قبل أن يتشكل، واتضحت حدوده، وصعب تمثيله، وقدومه بأوسع عملية شراء أصوات مكشوفة مفضوحة، وهو ما يغرى بدهسه من قبل سلطة الرئيس، ويغري بتجاوزه من قبل جموع الناس، الذين لا يمثلهم، وفتح المجال واسعا لأزمة سياسية محتدمة من نوع مختلف، قد لا تنتهي سوى بحل "برلمان النوايا السيئة"، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بالنظام النسبي، وإنشاء برلمان يمثل الشعب لا يُمثل عليه"، بحسب وصفه.
ويرى مراقبون أن جنوح قنديل إلى توجيه انتقادات حادة إلى السيسي، وأدائه، يقف وراءه أغراض شخصية تتمثل في أنه لم يحصل على أي منافع، أو مناصب إعلامية أو صحفية قيادية، على عكس كثيرين من أترابه، ممن نافقوا السيسي، ووقفوا معه، ودافعوا عنه، بالحق وبالباطل، فظفروا بمغانم كبيرة، وتبوأ بعضهم مناصب كبيرة.
لكن البعض يدافع عنه، ويعتبر خلاف قنديل مع السيسي، خلافا أيديولوجيا، وليس خلاف مصالح، باعتبار قنديل أحد أشد عتاة المتطرفين في الدفاع عن التجربة الناصرية، بينما دأب السيسي على أن يتعامل معها باعتبارها "قناعا" فقط، في حين يتعمد السيسي تطبيق سياسات رأسمالية متوحشة، تسحق الفقراء من طبقات الشعب، وهو ما جعل بعضهم يصفه بأنه يرفع "شعارات ناصر الاشتراكية"، بينما يطبق "سياسات السادات الرأسمالية".