رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، في كلماته التي ألقاها قبيل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من حزيران/ يونيو الماضي، طلب من الناخبين أن يمنحوه 400 مقعدا في البرلمان لتغيير الدستور والانتقال من النظام البرلماني إلى
النظام الرئاسي.
وعلى الرغم من أنه لم يكن يسمي الحزب الذي يريد له تلك المقاعد، إلا أن الجميع كان يعرف أنه حزب
العدالة والتنمية.
لم يمنح الناخبين أردوغان ما أراده في الانتخابات الأخيرة، بل تراجع عدد المقاعد التي يملكها حزب العدالة والتنمية في البرلمان من 327 مقعدا إلى 258 مقعدا.
وكان يهدف إلى الحصول على عدد يكفيه لتغيير الدستور والنظام إلا أنه لم يبلغ ذلك الهدف، وإضافة إلى ذلك فقد الأغلبية التي كانت تمكنه من تشكيل الحكومة وحده.
أردوغان جدد طلبه يوم الأحد الماضي، في كلمته التي ألقاها في مدينة إسطنبول في تظاهرة تم تنظيمها بشعار "الملايين بنفس واحد وصوت واحد ضد الإرهاب"، وقال إنه يريد أن يمنحه الناخبون "550 نائبا وطنيا" في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
طلب أردوغان هذا وإن بدا في الوهلة الأولى مثل طلبه الذي صرح به قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلا أن مضمونه يختلف عنه، لأن البرلمان التركي يتكون من 550 مقعدا، ولا يعقل أن يطلب من الناخبين أن يصوِّتوا لصالح حزب العدالة والتنمية ليحصل على جميع مقاعد البرلمان. إذن، ما الذي يريد أردوغان هذه المرة؟
أردوغان ومعه كثير من المحللين يعتقدون بأن
تركيا مستهدفة من قبل قوى خارجية بسبب مشاريعها العملاقة وتوجهها نحو الاعتماد الكلي في تسليح جيشها على الإنتاج الوطني، وأن هناك محاولات ترمي إلى ضرب استقلال قرارها وتحجيم دورها المتصاعد في المنطقة وتعطيل مشاريعها التنموية.
وبالتالي، فإن الأزمات التي تثيرها تلك القوى الخارجية تتطلب من الجميع أن يشعروا بمسؤوليتهم الوطنية لحماية مصالح تركيا والتصدي للهجمات التي تستهدفها.
الأحزاب الثلاثة الأخرى الممثلة في البرلمان التركي لم تتحرك من منطلق وطني بعد الانتخابات الأخيرة، ولم يكن موقفها من تشكيل الحكومة يراعي ظروف المرحلة التي تمر بها تركيا ولا مصالح البلاد، بل كان يعقد الأزمة السياسية متماشيا مع رغبة الخارج أو مصالحها الحزبية الضيقة.
وعلى سبيل المثال، عندما وجّه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الدعوة إلى نواب من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية للمشاركة في الحكومة التي تشكلت ضرورة دستورية، رفضوا هذه الدعوة وامتنعوا عن المشاركة في الحكومة المؤقتة باستثناء النائب توغرول توركش الذي لم يتهرب من تحمل المسؤولية في المرحلة الحرجة التي تحتاج فيها البلاد إليه، ولو كان ثمن هذا الموقف الوطني إبعاده عن الحزب الذي أسَّسه والده ألب أرسلان توركش.
تركيا الآن تواجه تحديات جسيمة على رأسها إرهاب حزب العمال الكردستاني والتطورات السريعة التي تشهدها سوريا. وهذه التحديات والظروف الراهنة يجب أن تدفع الغيورين على وطنهم إلى توحيد الصفوف على الأقل في القضايا المتعلقة بأمن تركيا واستقرارها ومصالحها العليا.
نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها أربع شركات للدراسات تشير إلى ارتفاع شعبية حزب العدالة والتنمية إلى 44.2 في المئة، في مقابل حصول حزب الشعب الجمهوري على 25.4 في المئة وحزب الحركة القومية على 14 في المئة وحزب الشعوب الديمقراطي على 12.5 في المئة.
وهذه النتائج كافية لحصول حزب العدالة والتنمية على 276 مقعدا في البرلمان ليشكل الحكومة وحده، ويجب أن يبذل حزب العدالة والتنمية قصارى جهده للحصول على هذه النسبة وما فوقها من أصوات الناخبين في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إلا أن ذلك لا يغير حقيقة أن السياسات التي تخدم مصالح البلاد وأمنها واستقرارها بحاجة إلى تأييد كل حر وطني شريف.